الفيضانات .. إنذار أحمر في السودان

الفيضانات .. إنذار أحمر في السودان
أمدرمان: الهضيبي يس
أصدرت وحدة الإنذار المبكر التابعة للإدارة العامة لشؤون مياه النيل بوزارة الزراعة والري السودانية، تحذيراً رسمياً بشأن احتمال وقوع فيضانات على امتداد الشريط النيلي، وذلك نتيجة للارتفاع الملحوظ في الوارد المائي من النيل الأزرق والنيل الأبيض. البيان الذي نُشر عبر الصفحة الرسمية للوزارة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، حدد المناطق المعرضة للخطر، وتشمل ولايات الخرطوم، نهر النيل، النيل الأبيض، سنار، والنيل الأزرق، في ظل مؤشرات مائية تنذر بتصاعد الوضع خلال الأيام المقبلة.
وكشفت الإدارة العامة لشؤون مياه النيل في بيانها أن إيراد النيل الأزرق تجاوز حاجز 730 مليون متر مكعب يومياً، ما يعكس حجم التدفق غير المعتاد الذي يشهده النهر. كما أشارت إلى أن تصريف سد الروصيرص بلغ أكثر من 670 مليون متر مكعب في اليوم، بينما تجاوز تصريف سد سنار 600 مليون متر مكعب. وفي السياق ذاته، سجل تصريف سد مروي أكثر من 700 مليون متر مكعب يومياً، وهي مؤشرات تؤكد أن الوضع المائي في البلاد دخل مرحلة حرجة تستدعي أعلى درجات الحذر والاستجابة السريعة من الجهات المعنية.
وكانت منطقة الكلاكلة الشقيلاب الواقعة جنوب العاصمة الخرطوم من أولى المناطق التي شهدت تداعيات هذا التحذير، حيث سجلت ارتفاعاً غير معتاد في منسوب مياه النيل، ما أدى إلى حدوث فيضان ملحوظ غمر أجزاء واسعة من الأراضي الزراعية والمزارع المحيطة.
وأكد سكان محليون في الكلاكلة أن المياه بدأت بالفعل بمحاصرة المنازل، في مشهد ينذر بكارثة إنسانية إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة لاحتواء الموقف.
وأثار هذا الارتفاع المفاجئ حالة من القلق بين السكان المحليين، خاصة في المناطق المنخفضة التي باتت مهددة بشكل مباشر، وسط ترقب لتطورات قد تؤدي إلى وصول المياه إلى المنازل، ما يضع السلطات أمام تحدٍ إنساني وبيئي كبير. والتحذيرات التي أطلقتها وحدة الإنذار المبكر لم تقتصر على الخرطوم فقط، بل شملت أيضاً ولايات النيل الأزرق، سنار، نهر النيل، والنيل الأبيض، مع تحديد محطات حرجة مثل شندي، عطبرة، بربر، وجبل أولياء، باعتبارها نقاط مراقبة رئيسية في مسار النهر. وتأتي هذه التطورات في وقت تعاني فيه البلاد من هشاشة في البنية التحتية، ما يزيد من تعقيد الاستجابة لأي طارئ بيئي بهذا الحجم.
خبراء في مجال المياه والبيئة حذروا من أن الفيضان الحالي قد يتسبب في أضرار جسيمة تطال البنية التحتية، الطرق، والمرافق الحيوية، مطالبين السلطات المحلية بتفعيل خطط الطوارئ على الفور، والسيطرة على مجرى النهر قبل أن تتفاقم الأزمة. الدعوات شملت أيضاً ضرورة رفع جاهزية فرق الإنقاذ والإغاثة، وتوفير المعدات اللازمة للتعامل مع أي سيناريو محتمل، خاصة في المناطق التي تشهد كثافة سكانية عالية وتفتقر إلى وسائل الحماية الطبيعية من الفيضانات.
من جانبه قال الخبير في مجال المياه إبراهيم شقلاوي إن حادثة الفيضانات الأخيرة لا يمكن قراءتها بمعزل عن السياق السياسي الأشمل للعلاقات السودانية الإثيوبية، حيث يظل الاتفاق الثنائي حول سد النهضة خطوة مهمة لكنها لا تكفي وحدها لضمان أمن السودان المائي، ما لم تُعزز بإرادة حقيقية للتعاون الفني الشفاف، وآليات فعالة للرصد والتنسيق والتدخل المشترك. إنها لحظة اختبار مبكر، لا للاتفاق فقط، بل لمجمل النهج الذي اختاره السودان في التعامل مع واحدة من أكثر القضايا حساسية في القرن الإفريقي. وأضاف شقلاوي: يُعد اتفاق تبادل المعلومات بين السودان وإثيوبيا خطوة ضرورية لكنها غير كافية، ما لم تُدعّم بإرادة سياسية جادة توازن بين المصالح الاستراتيجية والسياسية، وشفافية تشغيلية تضمن أمن السودان المائي.
ونوه شقلاوي إلى أن حادثة الفيضانات الأخيرة، بمثابة اختبار مبكر لمدى نجاعة الاتفاق، وجرس إنذار يدعو إلى إعادة ضبط بوصلة العلاقة الفنية واستئناف الاجتماعات بين البلدين قبل أن يتحول سد النهضة من مشروع تنموي إلى نقطة توتر دائم.