ما بينهما .. البروفيسور عبد الله الطيب والأستاذ محمد المهدي المجذوب

ما بينهما
البروفيسور عبد الله الطيب والأستاذ محمد المهدي المجذوب
بقلم: صلاح الدين عبد الحفيظ
من داخل دوحة عرفت بالصلاح والتقوى وأذكار التصوف وقراءة القرآن وتدريسه. والغوص في معانيه، ولد الشاعران اللذان ظلا في ذاكرة الشعب وموسوعة الأدب السوداني البروفيسور عبد الله الطيب والأستاذ محمد المهدي المجذوب.
الاثنان نهلا أولاً من إرث الأسرة الأشهر في علوم القرآن والتصوف. ومن ثم كانت المدارس النظامية هي موقع نهلهما من العلوم الدنيوية. حتى وصلا لمرحلة التميز في كتابة الشعر ومعرفة علوم الدين الإسلامي واللغة العربية، داخل حياتهما الاهتمام بالفنون وتحديدا الفن التشكيلي فالمجذوب له لوحات تشكيلية قام برسمها في سنوات باكرة وبل جلس لينهل من علم الفنون الجميلة بمدرسة الخرطوم للفنون قبل أن تصبح كلية الفنون الجميلة. أما عبد الله الطيب فقد اهتم بهذا الفن منذ دراسته بكلية غردون التذكارية وأثناء دراسته بانجلترا عمل مع زوجته جوهرة (جيرزلدا) كمحترفة فنون بصرية وهو ما كان حياة فن في بيته الذي أحتشد باللوحات الفنية.
يفصل بينهما عام واحد، فالمجذوب أكبر سناً من عبدالله الطيب بعام واحد. وهو ما جعل الفارق بينهما لا يظهر إلا للذين درسوا سيرتهما بدقة وتأن.
اشتركا في خمسة مناحي شكلت حياتهما الذاخرة بالأدب والحياة، فكانت حياة استمرت منذ تخرجهما من كلية غردون التذكارية «1938م محمد المهدي المجذوب و1939 عبد الله الطيب» حتى وفاتهما.
أولى مشتركاتهما هي الدراسة بكلية غردون التذكارية في سنوات كان التعليم فيها مثار لغط وريبة من السودانيين. فكان قسم المحاسبين هو القسم الذي انتظم فيه محمد المهدي المجذوب في حين إلتحق عبد الله الطيب بقسم المعلمين.
ثاني المشتركات هو كتابتهما للشعر في سن مبكرة. ففي بدايات الأربعينات ظهرت أولى قصائدهما كما هو مثبت في سيرتهما وكذلك ما ظهر في أولى مجموعات المجذوب الشعرية. (نار المجاذيب) و(الشرافة والهجرة).
ومن ضمن قصائد المجذوب الدالة على عبقريته تلك التي يقول فيها مشبها الترام بالحمار كوسيلة انتقال: (دوخني هذا الترام حمار غير مامون).
أما قصيدة عبد الله الطيب التي يعود تاريخها للعام 1941م والتي أتت كواحدة من قصائد كتاب الأناشيد للصف الرابع الابتدائي قديماً
شوينا السنبل النضر .. على الجمر على الجمر .. ويحلو طعمه مع المطر
ويزهو مع الناس .. كالدرر .. وهو محمول بالشرر.
ثالث المشتركات هو اهتمامها بالمسرح في مقبل حياتهما. فكان هذا الاهتمام مدعاةً للمجذوب ليقوم بتصميم خلفيات المسرحيات بالكلية القديمة.
أما عبد الله الطيب فقد كان اهتمامه السبب في كتابته لمسرحية (زواج السمر) تلك المسرحية التي أوضحت اهتمامه الباكر بالمسرح.
لتأتي رابع ما جمع الاثنين من اهتمام وهو الكتابة الخواطرية للصحف السيارة. وهو الشيء الذي توقف عنه عبد الله الطيب لانشغاله بالأكاديميات بعد العام 1958م. في حين اتصلت حالة المجذوب بهذا المنحنى حتى وفاته.
في منتهى ما ذهبنا إليه من مشتركات تبرز حالة الاهتمام بالأدب السوداني وصحبة أهله من الشعراء والأدباء. فكان الاثنان قريبي الصلة بتجمعات الأدب في العقود منذ الأربعينات وحتى السبعينات. وذلك بدء بالبروفيسور عبد الله الطيب ومروراً بندوة عبد الله حامد الامين بأمدرمان وانتهاءً بمنتدى أجزخانة العاصمة بالخرطوم وذلك المنتدى الذي ضم الشعراء محمد محمد علي ومنير صالح عبد القادر ومحي الدين فارس.
الاثنان احتفيا بشعر بعضهما فكان من ضمن أكثر القصائد التي جعلت عبد الله الطيب يقف عندها تلك القصيدة قوية المعاني – بليغة النظم:
وفي البيوت غمامات .. أفضن لنا مارق العيش
من قمح وآليات .. والطبل ينفخ والظلماء
مسغبة .. والثاقبات تئن بين جدران
فوق البروش جلسنا .. حادبين على ديون شهر مع الأشواق سهران
حقاً ما أعظمهما شاعران ومفكران ساهما بدأب وإصرار على ظهور رصين الأشعار وأجملها