في ذكرى أمير التلب

في ذكرى أمير التلب
بقلم: صلاح الباشا
أكاد لا أصدق بأن حبيبنا وصديقنا وصديق إخواننا الكبار الراحلين في مدني وبركات. بل صديق معظم أهل مدينة الأحلام قد مضى عام كامل على رحيله عن الدنيا التي فارقها في ٢٩ سبتمبر ٢٠٢٤م. وقد كان يكابد في السفر إلى إبنه وأهله وأصدقائه بدولة قطر، فكانت مدينة هيا بشرق السودان هي مرقده الأبدي وهو في طريقه إلى مطار بورتسودان.
كان الراحل المقيم أمير التلب يشعل مدينة الأحلام ودمدني بالفرح دائما حين كان يدير مسرح الجزيرة ويحرك فيها فعاليات ثقافية وفنية ودرامية لا يزال يتذكرها أهل المدينة وما جاورها ولعشرات السنوات إلى أن جاءت الإنقاذ، لتعفيه من هذا المنصب ولتعلن تجميد نشاط مسرح الجزيرة.
وبعد أن أخلى التلب المنزل الحكومي بحي الموظفين والذي أصبحت مساحاته الآن سوقا للقماش والأثاث، قام الرجل الشهم شيخ صديق شقدي عليه الرحمة بتهيئة منزل له هو وأسرته في جزيرة الفيل بودمدني. إلى أن إنتقل لاحقا إلى الخرطوم والتي كان يسكن فيها بالإيجار في الحلة الجديدة.
ونشهد أنه لم يترك مهمته في الاسهام في النشاط الثقافي بالعاصمة عن طريق المنتديات العديدة التي كانت تحتشد بها ليالي العاصمة المثلثة.
وكانت رفيقة دربه الطويل السيدة الجليلة والمثقفة والناشطة الاعلامية (آسيا فرح) أو كما يحلو لأطفالنا في ذلك الزمان أن يطلقوا عليها (ماما آسيا) بتلفزيون الجزيرة، كانت هي السند الأساسي لكل جهود فقيدنا أمير التلب.
وعند نزوحنا جميعا من مدينة الخرطوم إلى مدينة الأحلام ودمدني عقب الحرب، كان أمير أيضا ينزح معنا حيث يسكن أصهاره في حي أركويت بمدني. فكان كثير الزيارات لنا بمقر سكننا بمدني. وقد كنا نقيم خلال أشهر النزوح منتدى اجتماعيا اسبوعيا صباح كل جمعة يتخلله حفل إفطار بمنزل الصديق العزيز سعادة الفريق شرطة ابن ود مدني عبد الرحمن حطبة رئيس جمعية أبناء الجزيرة الخيرية بالخرطوم وجيرانه في حي مايو أربعين بمدني تحت ظل تلك الشجرة الوريفة أمام منزله حيث كان يتوافد الجيران بصواني الإفطار وبترامس الشاي والقهوة.
كنا نتناول حديث الذكريات والتوثيق لكل المناشط التي كانت تشهدها المدينة حيث كان الصديق العزيز محمد شيخ العرب يدير تلك المنتديات النهارية في صباح الجمعة إسبوعيا.
وكان أمير التلب متحدثا دائما عن تجاربه الثرة في مثاقفات المدينة خلال ذلك الزمن الجميل والذي لن يتكرر بسهولة. وكان منتدانا الاسبوعي ذاك يحضره كل من الأصدقاء بروف الفاتح حسين وكابتن شيخ إدريس بركات (شيكو) والأستاذ الصحفي صلاح الحويج والشاعر الجميل مدني يوسف النخلي وآخرون كثر.
ثم أحتل الغزاة الجنجويد الأوباش مدينة الأحلام وتمددوا في كل قرى الجزيرة الوادعة وفعلوا فيها ما فعلوا. فتشتت شملنا تارة أخرى وتفرقنا أيدي سبأ في أرض الله الواسعة ولازلنا نعيش تحت جمر ولهيب التشرد والنزوح.
رحم الله أخونا الجميل أمير التلب وأكرمه بالجنة بقدر طيبة قلبه وحبه للناس .. كل الناس.
وأطال الله في عمر رفيقة دربه ماما آسيا والأبناء والبنات.
وستظل مكانة أمير التلب شاغرة في العاصمة وفي مدينة الأحلام أيضا في مسقط رأسه (ود عشانا) .. ماحيينا.
إنا لله وإنا إليه راجعون.