عصام جعفر يكتب: القنبلة المائية

مسمار جحا

عصام جعفر

القنبلة المائية

السيول والأمطار العارمة إجتاحت ست ولايات من ولايات السودان وفاقمت الموقف المأساوي بالبلاد حيث الناس لم يتخلصوا بعد من آثار الكوليرا وحمى الضنك ليتفاجأوا بمياه الفيضان تغمر القرى الواقعة على ضفاف النيل وتغرق المزارع وتقطع الطرق .. ورغم أن الأجساد منهكة بالسهر والحمى ومثخنة بالجراحات التي خلفها الجنجويد إلا أن المواطن السوداني كان كالعهد به دائما مثالا للصمود والتحدي يتلقى الإبتلاءات بقلب مفعم بالإيمان وصبر جميل ورضاء بقضاء الله وقدره.
التحية لأهلي وعشيرتي بالقرى المتحدة .. الفكي هاشم والجعليين والدبة والخليلة الذين خاضوا ملحمة الفيضان ببسالة وشجاعة وصدوا النيل مثلما صدوا الجنجويد من قبل رغم أن النيل أكثر وفاء وعطاء ونبل من الجنجويد القتلى والمفسدين.
أهل القرى جسدوا شعار الإتحاد الذي يجمعهم فخرجوا جميعاً شباباً وكهول .. رجالاً ونساء واطفال فروضوا النهر الجامح وصدوه عن ديارهم غير معتدين ومحافظين على الود القديم بينهم والنيل الذي يمدهم باسباب الحياة والفرح.
النيل والقرى الواقعة على شريطه على امتداد السودان قصة متكررة لكل عام تمثل المعاناة والخوف والقلق وتجسد احياناً صور الغرق والدمار وهلاك الزرع والضرع وفقدان بعض الارواح الطاهرة البريئة. وهذه القصة لا يوجد لها علاج حتى الآن من أجل علاقة طيبة وآمنة بين النيل والسكان ساكن الضفاف لا بد له من وجود آمن ومستقر على النيل الذي تغيرت ظروفه وطرأ جديد على واقعه فالنهر أصبحت أحواله غير ومواسمه متغيرة بعد قيام سد النهضة والسدود الأخرى وبعد التغير المناخي الذي أثر على أوضاع الأمطار في الإقليم وزيادة حدتها مع السيول الجارفة.
الأمر يستوجب الآن دراسات علمية وبحوث جادة لأجل معالجة علاقة النيل والسكان في كل المدن والقرى السودانية الواقعة على شريطه من أجل حل دائم ومقنع وآمن يحفظ السكان ويمكنهم من الاستفادة من النيل من غير ضرر ولا ضرار.
موضوع نهر النيل وساكني الضفاف بات أمراً عاجلاً وصلحاً لا يقبل التردد ولا التلكؤ لا سيما بعد المستجدات التي أحدثها سد النهضة والتغير المناخي وكميات الأمطار التي ضاقت بها مجاري الأنهار والبحيرات والخيران.
السودان يتعرض إلى قنبلة مائية لا بد من مقابلتها بحكمة ورؤى علمية وعملية فالقضية ليست مجرد فيضان عابر ولكن القضية باتت وجودية وأمنية لشعب تعرض لكافة صنوف المخاطر والمهددات.
ما حرام ساكن الضفاف .. ينشر في عمرو الجفاف.