إسحق أحمد فضل الله يكتب: (سيرة…..) 3

مع إسحق

إسحق أحمد فضل الله

(سيرة…..) 3

وكنتُ عائدًا من السقاي التاسعة مساءً، لما اتصل بنا دكتور موسى طه، مدير ساحات الفداء، ليقول لنا: طائرة قرنق اختفت.
وتصعق ذاكرتي دعوة صديقٍ لنا حين كنا نتابع وصول قرنق مطار الخرطوم أول قدومه.
صديقنا كان يرفع يديه ثم يقول: اللهم لا يُكمِلَنَّ شهره هذا…
ولم يُكمل.
قرنق قُتِل في التاسع والعشرين من ذلك الشهر.
………
ونسرد الحوار الذي دار بين قرنق وبين الطيار، لما كانت الطائرة تواجه المأزق الذي انتهى بسقوطها.
والناس يُدهشهم تمامًا أن نعرف نحن هذا الحوار… وكان أحد أصدقائنا يمدنا بنسخة من الصندوق الأسود.
وفي التسجيل، كان الطيار – الذي يقترب من نيوسايت – يقول لقرنق إن الهبوط هناك مستحيل، فالسحب تجعل الطائرة عمياء.
وقرنق يقترح موقعًا آخر للهبوط، والطيار يفاجئه بأن الوقود لا يكفي.
كانت الجهة التي دبّرت مقتل قرنق قد تحسبت لكل ما يضمن سقوط الطائرة…
وسحبت سرًا أكثر من نصف خزان الوقود…
والتحقيق، والأيام، تكشف أشياء مدهشة.
في التحقيق، كان جَاويش الدورية الذي يجلس في خيمة أعلى الجبل يقول للجنة التحقيق: سمعت طائرة تدور وتهبط بشدة، وخرجت أنظر، وفي لحظات رأيتها تسقط وتشتعل، وأسرعت إليها، وعلى ضوء النيران رأيت ثلاثة عشر جثة.
واللجنة تعيد سؤاله: ثلاثة عشر؟
قال: نعم.
فاللجنة كانت قد وجدت اثنتي عشرة جثة فقط.
فالمخطط كان يُقدِّر مكان سقوط طائرة قرنق، وكان يجعل رجلًا – هو الثالث عشر – يتسلل إلى طائرة قرنق، وفي لحظةٍ معينةٍ فوق مكانٍ معينٍ يجذب زناد لغمٍ ينفجر بعد دقيقة، ويفتح باب الطائرة المحلقة ويقفز.
والرجل يجذب زناد اللغم، ويحاول فتح الباب ليجد أنه مغلق من الخارج.
والمخطط كان يتخلص منه، وتحديد المكان كان سببه أن عربة سوف تكون هناك، قريبة من موقع السقوط لتحمل جثمان الرجل هذا وتختفي.
وهكذا اختفت الجثة الثالثة عشرة…
………
كان قرنق قد صرّح بأنه ضد انفصال الجنوب، ولم يكن يعلم أنه بهذا يحكم على نفسه بالإعدام.
وكان المخطط يستخدم الحفل السنوي الذي يُقيمه موسيفيني للسفراء الأجانب في ناحيةٍ معزولةٍ من الغابة… حفلٌ عُريان تمامًا.
وللحفل هذا دُعي قرنق – سرًا… سرًا – لأن المخطط لا يريد شيئًا يمكن أن يكون خيط اتهام.
وطائرة كانت تُظَنُّ للصيانة في روسيا تعود قبل أيام، والطائرة هذه خُصِّصت لقرنق.
………
وشيءٌ غريبٌ كان هناك… شيءٌ يعني أن بعض السفراء كان على علمٍ بما يُدبَّر.
فبعض السفراء يبقى في موقع الحفل بعد انتهائه، ويصل إلى جنازة قرنق من هناك…
………
هذه صفحةٌ أخرى من يومياتٍ نكتبها…
ونتابع.