
كمال حامد يكتب: المعركة .. اعلام والإعلام حرب
من السبت إلى السبت
كمال حامد
المعركة .. اعلام والإعلام حرب
الفاشر نزلت عليهم بالساحق والماحق
** كما أن (الحج عرفة) فان (المعركة اعلام) وان كسبت ماليشيا الدعم السريع معركة لم تكسب الحرب فقد كسبتها بالاعلام وان خسر السودان معركة ولم يخسر الحرب لأن المسألة كانت اعلامية. واحتلال الفاشر يوم السبت لم نسمع صوتا اعلاميا من الجيش السوداني أو الحكومة فيما كان الإعلام الدولي والاقليمي يبث تفاصيل التفاصيل.
** للأسف ظللنا في الأسابيع الماضية نشيد بانتصارات جيشنا في فاشر الصمود وصحونا على الحقيقة الصعبة الماليشيا نجحت بعد كم وستين محاولة دخول الفاشر كلها حتى مبنى قيادة الفرقة السادسة وانسحب الجيش ولا خبر ولا بيان ولا مؤتمر صحفي إلا في يوم الأربعاء.
** مؤتمر الأربعاء الصحفي ظهر كاجتهاد من وزير الإعلام الأخ خالد الاعيسر ويبدو قد أعيدت له أو اختطفها عنوة صفة الناطق الرسمي وكان يمارس الدور بتغريدات على موقعه تعيد بثها نشرة التلفزيون ضمن الأخبار أو على الشريط. كان هذا حال التلفزيون وأجهزة الإعلام الرسمية بما فيها الناطق الرسمي باسم الجيش الذي لا أتذكر اسمه بعد تنحي الناطق العميد نبيل عبد الله والحمد لله رأيناه لأول مرة أمس الجمعة.
** ظننت وبعض الظن إثم أن عهد المعلومات إلا بعد انتظار البيانات الرسمية قد انتهى، وينسى مسؤولونا أن المعلومة تظهر في حينها وقبل حمل الجرحى والمصابين، ونتذكر ما حدث في العام 1998م وبالتحديد الخميس 20 أغسطس بعد ضرب مصنع الشفاء بواسطة أمريكا وكان الناس في الخرطوم يشاهدون لهب الحريق ويتابعون الحدث لحظة لحظة مع إذاعة بي بي سي، فيما كان التلفزيون يبث مسلسل زينب والعرش والإذاعة تقدم برنامج عيادة على الهواء. وبعدها كان الاقتناع بأن الحدث لا ينتظر الإعلان والبيان الحكومي الرسمي.
** اعلان الحقائق للناس أفضل من أن يسمعوها من غيرك، مما يجعل غيرك أكثر صدقا منك وتضيع هيبة الإعلام الرسمي الذي حاول الأخ الاعيسر بث الروح به في المؤتمر الصحفي الأخير الذي لنا عليه بعض الملاحظات إذ كان يجب أن يشارك مع وزير الإعلام وزير الخارجية أو وزير الدولة وأجتهد وكيل الوزارة الذي انهالت عليه الأسئلة إضافة إلى ضرورة مشاركة كبار المسؤولين عن الأمن والداخلية.
** في المؤتمر الصحفي وقفت على سؤال من أحدى الزميلات التي عكست حالة الهلع عند العامة بسبب التهديدات التي نشط الإعلام الخارجي في الترويج لها باستهداف المدن من الفاشر والأبيض حتى عطبرة وبورتسودان، والعامة معذورون وكان مطلوبا وجود مسؤول كبير من جهاز الأمن أو الشرطة لتطمينهم بدلا من تعبيرات وزير الإعلام الهتافية (بأننا صاحيين والبلد آمنة).
** أهمية الإعلام زادت مؤخرا ولكن كانت الدول المسؤولة تهتم به لمواجهة أعدائها ومعارضيها. أتذكر عبارة لوزير الإعلام في السبعينات المرحوم عمر الحاج موسى قوله: (افتتحنا مكتبا في بيروت وسنعمل ونتصرف كما يتصرفون باستمالة الإعلام ولن أوضح).
** اعلام المعلومة والاشاعة والفبركة ودق الاسفين وإثارة الفتنة موجود وان كان قد تطور مؤخرا وصار أكثر تأثيرا، ولكن في السابق كانت الحكومات المسؤولة وأجهزتها تتصدى وكما قال مرة الزعيم جمال عبد الناصر: (عندنا في جهاز المخابرات إدارات لمواجهة الاشاعة بالاشاعة والنكتة بالنكتة والكدبة بالكدبة).
** بعد الأحداث الكبيرة مثل حادثة الفاشر التي أهتم بها العالم كان يجب الإعداد بصورة أكبر بدعوة بعض الأسماء الاعلامية المؤثرة، وشهدنا مشاركة العديد من رموز الإعلام وأحيانا يطلب منا المساعدة بترشيح بعض الأسماء، و منهم من حضر وأثرى التغطية الصحفية والحوار الجاد وأذكر منهم السادة جون كينق كبير مراسلي بي بي سي وسالم العبادي وعثمان العمير رئيس تحرير الشرق الأوسط وعرفان نظام الدين وجورج سمعان من صحيفة الحياة ومجلة الوسط.
** في الأيام الماضية تابعنا تصريحات ومواقف ايجابية لم يهتم بها اعلامنا من رموز عالمية وسياسية كبيرة تعليقا وإدانة مجازر الماليشيا منهم رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي جيم ريتش، والمتحدث باسم منظمة الصحة العالمية كريس قوماي والمعلق الرياضي الأشهر حفيظ دراجي وحتى بعض الفنانين المصريين. ونتابع كل هذا في القنوات والتواصل الاجتماعي وليس في أجهزتنا المحلية.
** مشاركة مسؤولة العون الانساني في المؤتمر الصحفي الأخير لم نخرج منها بفائدة أو معلومات عن المنظمات الانسانية الداعمة السعودية والقطرية والتركية مثلا، لهذا لم يوجه لها غير سؤال واحد لم تجب عليه عن أرقام حقيقية لأعداد النازحين إلى مدينة طويلة التي ذكر الدعم السريع أنهم ثمانمائة ألف.
** وكذلك لم نجد إجابة وافية عن سبب طرد ممثلي برنامج الغذاء العالمي دبليو اف بي الذي كان له أكبر دور اغاثي ومكافحة اشاعة الجوع، وكانت لي مع هذا البرنامج علاقة طيبة منها اختياري مرافقا لسفير النوايا الحسنة الفنان المصري الراحل محمود ياسين إلى نيالا.
** المنظمات الدولية الانسانية لها أدوار ايجابية تستحق الإشادة ومنها أدوار عكس ذلك وتم طردها منذ عهود الرئيس ابراهيم عبود والزعيم اسماعيل الأزهري بطرد التبشيريين وكذلك فعل الرئيس نميري رحمهم الله و كذلك سمعنا من تم طردهم، (وأدوهم بركاوي كويس).
** بعد انتشار فيديوهات المجازر التي جات على الماليشيا بالساحق والماحق، حاول بعض مساندي التمرد النفي بل أعلن الجناح السياسي للماليشيا مقاطعة قنوات الجزيرة والعربية والحدث، فما كان منهم إلا أن نشروا تقرير المنظمة الدولية للتحقق التي نشرت حقيقة الفيديوهات ومنها تقرير مركز أبحاث جامعة بيل الأمريكية المصحوب بصور الأقمار الصناعية وما نشرته صحف الغارديان ونيويورك تايمز ووول استريت جورنال.
** تابعنا كامل جلسة الأمن أول أمس الخميس، وللأسف ليس من قنواتنا غير قتاة الزرقاء، تلفزيوننا صحا من نومه ليلحق بكلمة مندوب السودان بعد بدايتها ثم غادر. وحين عاد مندوبنا للتعقيب وجلد مندوب الامارات رجع التلفزيون، منتهى الجهجهة.
** معظم القنوات نقلت الجلسة كاملة وأكاد أظن أن خبرة مهندسنا البارع محمد علي أبوشيبة وراء نقل قناة الزرقاء. وزاد إحساسنا بأهمية وضرورة عودة كوادرنا ذات الخبرة والحس الاعلامي للتلفزيون ولا أقلل من خبرة الأخوة البزعي ووليد وبقية الزملاء.
تقاسيم .. تقاسيم .. تقاسيم
** الازمات الأخيرة في غزة والفاشر جعلتنا نستصغر ولا نهتم لأبرز ما كنا نعيشه مع بعض الشعارات مثل، دور المجتمع الدولي ومسؤوليته، حقوق الانسان، الإبادة الجماعية، تصنيفها منظمة ارهابية، وصمة عار في جبين الانسانية، الضمير العالمي، و للأسف حتى شعارنا الخالد (الله أكبر) صرنا نتابعه ويردده قتلة الأبرياء وهم يضحكون ويوثقون ذلك باللقطات، وحسبنا الله.
** تم اعلان التعبئة العامة في كل الولايات، وهذا مؤشر طيب ولكن الإعلان يحتاج خطوات عملية منها وقف مظاهر الترفيه والصرف البذخي ورحلات المسؤولين الخارجية لأي غرض غير رد العدوان، التعبئة الحقيقية في كشف الخلايا النائمة والمساندة فهم يمدون بالمعلومات عن المواقع الحيوية التي تم قصفها وهم الذين يتبسمون لأخبار انتصاراتها.
** التعبئة ليس بالبيانات والكلمات من مكاتب كبار المسؤولين في مجلسي السيادة والوزراء فان كانت لهم رغبة في الحديث فليكن مباشرة مع الجماهير التي ملأت الشوارع الآن. وملاحظة أن مسؤولينا الكبار ما حصل بجيبوا سيرة الامارات على لسانهم (ولو بالغلط).
** عبارة من البروفيسور محمد جلال تجعلنا نتعمق فيها وفي معانيها ونربطها بالواقع حين قال (الماليشيا أداة في يد الامارات (تأتمر بأمرها) والامارات مستعمرة اسرائيلية (تأتمر بأمرها) واسرائيل مستعمرة أمريكية (تأتمر بأمرها )، ورحم الله الرئيس السادات القائل: (كل خيوط اللعبة في يد أمريكا).
** مندوب الامارات الذي تحدث في جلسة مجلس الأمن كشف قصور نظرتهم وأدخل نفسه في مطب حين لم يرد على أي مما تناوله مندوب السودان المليان بالأدلة والاستشهاد بالمصادر وأكتفى المسكين بعبارات سياسية بعد أن فاجأته الهجمة المرتدة.
** بقدر ما حاولت تخصيص مادة هذا الاسبوع للحدث الأكبر في مدينة الفاشر وبقدر ما كنت أشيد بوالي وحكومة نهر النيل فإنني مضطر لرفع اليد محتجا لقرار احياء محاولة تجفيف مدرسة عطبرة الثانوية القديمة، واستغلال مبانيها وموقعها المميز لأغراض أخرى، بوقف القبول هذه السنة.
** مدرسة عطبرة القديمة نسميها أم المدارس لأن من أنشأها الزعيم الخالد الأستاذ المعلم اسماعيل الأزهري في 1954م، ردا على المستعمر الذي اكتفى بثلاث مدارس، وادي سيدنا وحنتوب وخورطقت خارج المدن الكبيرة، أعلنها الزعيم الرابعة ووسط العاملين في عطبرة.
** كل الحكومات طمعت فيها لتجفيفها كما فعلت في كل مدارس السودان التاريخية ولكن أم المدارس صمدت بوقفات خريجيها ومجتمع عطبرة، وأكتفي بوقفة واحدة مطلع التسعينات حين قررت الانقاذ تحويلها لمعسكر للدفاع الشعبي وتصدى والي الولاية خريج المدرسة مقدما استقالته لمجلس الثورة البروفيسور أحمد علي قنيف وتم إلغاء القرار كما نجح خريجوها في اعادة تأهيلها واستصدار قرار رئاسي بالحفاظ على المواقع ذات الرمزية. ليت أعضاء حكومة الولاية ومعظمهم من خريجي المدرسة ومنهم وزير التعليم صاحب القرار يتجاوزون أزمة ليس موعدها هذه الظروف.
** نهتم بالدعوات لله بالرحمة لشهداء العدل والغدر والعنصرية البغيضة، والهداية لمن يساندهم، فالرب شاهد وعالم ولن ينج من عقابه أحد كما ينج الآن القتلة من العقاب بصمت العالم وتشجيعه وسكوته على ما حدث في الجنينة وود النورة وغيرهما.
** قد نلتقي إن شاء الله السبت القادم من مكة المكرمة إن كان في البدن صحة وفي العمر بقية.