مبارك زروق .. السياسي والقانوني الضليع

مبارك زروق .. السياسي والقانوني الضليع

بقلم: صلاح الدين عبد الحفيظ

من شخصياتنا التي لن تتكرر، هذه الشخصية الفذة صاحبة الحظ الأوفر من حسن الذكر وجميل السجايا لما قدمه لوطنه في مواقع عديدة، منها:
وزير المواصلات في أول حكومة وطنية عام 1954، ووزيرًا مؤسسًا لوزارة الخارجية، ووزير المالية في حكومة أكتوبر الانتقالية في الفترة من 21 أكتوبر 1964م إلى 25 أبريل 1965م. وُلد مبارك زروق بمدينة دنقلا عام 1912م، وترعرع فيها، وظل طوال حياته مثالًا للانضباط وتقديم الخير.

ويعتبر مبارك زروق من أوائل المحامين السودانيين وكبار القادة السياسيين. تخرج في كلية غردون، وعمل بالسكة الحديد ثم التحق بمدرسة الحقوق وزاول مهنة المحاماة، وأصبح محاميًا مرموقًا.
ساهم مع الرعيل الأول من المحامين: محجوب محمد أحمد وأحمد خير وزيادة أرباب وغيرهم في إرساء قيم وأخلاقيات مهنة المحاماة في السودان.
عُرف بالاتزان والموضوعية وسعة الأفق القومي، وكان أحد قادة الحزب الوطني الاتحادي.
انتُخب عام 1953م عضوًا في مجلس النواب عن دوائر الخريجين حيث نال أكبر عدد من الأصوات، وعُين وزيرًا للمواصلات وزعيمًا لمجلس النواب في أول حكومة شكلها إسماعيل الأزهري.
كان مبارك زروق ومحمد أحمد المرضي من قيادات حزب الأشقاء ومن مؤسسي الحزب الوطني الاتحادي. له مواقف إنسانية ووطنية ثابتة تجاه أسرته وبلاده.
بدأ مبارك زروق حياته التعليمية بمدينة أم درمان حيث درس مراحله الأولية والوسطى، ثم التحق بكلية غردون – قسم الكتبة والمحاسبة، ودرس مرة أخرى في مدرسة القانون بالكلية (1935 – 1938م)، ونال شهادة في القانون.
كان يحب القراءة والكتابة، كثير الاطلاع على الدوريات العربية والإنجليزية، ويحفظ الشعر والروايات ويكتب النثر.
شارك في المهرجان الأدبي بمدينة أم درمان عام 1941م وقدم بحثًا نادرًا عن (أدب الديارات في الشعر العربي) فكان محل تقدير وإشادة من لجنة التحكيم وأحرز المرتبة الأولى.
بدأ حياته العملية موظفًا بالسكة الحديد بمدينة عطبرة، ثم افتتح مكتبًا للمحاماة، وكان قانونيًا ضليعًا اشتهر في كل أرجاء السودان وخارجه.
وكانت له مرافعات مشهورة مع زميله محمد أحمد المحجوب أمام المحاكم السودانية، ما زالت تُروى في المجالس إلى اليوم.
مارس الأستاذ مبارك زروق العمل السياسي بكل تجرد وإخلاص وأمانة، وهو من جيل الاستقلال ومن الرواد المثقفين في السودان.
كان عضوًا فعالًا في مؤتمر الخريجين، وانتُخب عضوًا في الهيئة الستينية للمؤتمر من الدورة الثامنة وحتى الخامسة عشرة (1944 – 1952م).
وخلال فترته في المؤتمر سيطر الأشقاء على المؤتمر، وقدموا المذكرة الشهيرة بالاستقلال وتكوين حكومة ديمقراطية بالاتحاد مع مصر.
وكان من دعاة الاتحاد مع مصر، لكنه بعد سقوط الفكرة قال: “إنه لا يمكن لأي دولة أن تجد فرصة في الاستقلال وترفضها مفضلة عليها أن تكون في أحضان دولة أخرى، مؤكدًا أن الوحدة يمكن أن تأتي بعد تطور وتقدم السودان.”
لعب دورًا مهمًا في المؤتمر من خلال اللجنة التنفيذية من الدورة الثامنة وحتى الخامسة عشرة، وتم انتخابه سكرتيرًا عامًا للمؤتمر من الدورة الحادية عشرة وحتى الخامسة عشرة (1947 – 1952م).
انتُخب الأستاذ مبارك زروق عضوًا في البرلمان الأول عام 1953م عن دوائر الخريجين، وأحرز أعلى الأصوات بين الخريجين في البرلمان (35100 صوت)، وتم ترشيحه من داخل البرلمان زعيمًا للمجلس.
بعد الاستقلال عام 1956م عُين أول وزير للخارجية، وكان عضوًا في برلمان 1958م عن دائرة ريفي الخرطوم، كما كان زعيمًا للمعارضة في مجلس النواب.
كما تم انتخابه في البرلمان الثاني عام 1958م عن دائرة ريفي الخرطوم الجنوبية.
وكان عضوًا بمجلس بلدي أم درمان بالتزكية عن دائرة البوستة، وتقلد منصب رئيس المجلس البلدي بأم درمان عدة مرات.
بعد الاستقلال قام بتأسيس وزارة الخارجية في ظرف تطلب المخلصين والحادبين على مصلحة البلاد، فأنجز إنجازًا إعجازيًا بتأسيس الوزارة من الصفر حتى أصبحت خلال أربعة أشهر وزارة مكتملة الأركان.
وفي عهده صار السودان عضوًا في الجامعة العربية، وقد مارس الدبلوماسية بكل مهنية وحافظ على علاقات السودان الخارجية مع الدول المجاورة.
كما تقلد منصب وزارة المواصلات والأشغال في عهد حكومة الزعيم إسماعيل الأزهري (1955م).
تم اعتقاله في فترة حكم الرئيس إبراهيم عبود وأُرسل إلى جوبا منفيًا مع عدد من زعماء الأحزاب الأخرى.
بعد ثورة أكتوبر عام 1964م تقلد منصب نائب الرئيس للحزب الاتحادي ووزير المالية.
بعد قيام الحكم العسكري الأول واشتداد المعارضة السياسية له، اعتُقل في يوليو 1961م ونُفي إلى جوبا مع عدد كبير من قادة الجبهة الوطنية المعارضة لنظام عبود، وظلوا بها إلى أن أفرج عنهم في 28 يناير 1962م.
بعد ثورة 21 أكتوبر 1964م عُين وزيرًا للمالية في الحكومة الانتقالية.
تزوج من محاسن محمد صالح الشنقيطي، ولم يُرزق منها لأنه توفي بعد الزواج بفترة قصيرة.
يروي الأستاذ جبارة الله محمد الطيب في كتابه مشاهير وحكايات: “أصاب الأستاذ مبارك زروق ألما شديدًا في صدره أثناء أداء واجبه، وهو في جلسة مجلس الوزراء، وفاضت روحه الطاهرة بعد أيام، في يوم الاثنين 25 أبريل عام 1965م.
وقد كان الحداد عليه عامًا وكبيرًا، حيث أغلقت الأسواق وافتتحت المحاكم جلساتها بالوقوف دقيقة حدادًا عليه، وودعته الجماهير بصوت واحد بمختلف ألوان الطيف السياسي قائلة: (إلى جنات الخلد يا زروق).”
وأوفد الرئيس المصري جمال عبد الناصر اللواء محمود سيف اليزل خليفة لينوب عنه شخصيًا في المشاركة في مراسم التشييع.
رثاه الأستاذ يحيى الفضلي بقصيدة يقول مطلعها:
أيا قبر أودعنا ثراك مباركًا
على الرغم منا والخطوب تقول
وأودع فيك الرأي يقظان والنهى
تم تخليده اسمًا بعدد من المدارس بكل من الجريف غرب وأمبدة والأبيض، وأُطلق اسمه على شارع بوسط الخرطوم.