المؤسسة العسكرية السودانية .. بنادق وأقلام
المؤسسة العسكرية السودانية .. بنادق وأقلام (٢)
بقلم: أمير أحمد حمد
في مقال سابق تحدثنا عن مساهمة المؤسسة العسكرية في تغذية الوجدان السوداني بحلو الكلام وعذب الألحان. رغم طبيعة عملهم الصارمة، يحملون البنادق وفي جوانحهم قلب صادق ينبض حنانًا، ففاضت مشاعرهم فترجمت إلى شعر ولحن زينوا به مكتبة الغناء السوداني. وقد تعرضنا في المقال السابق إلى واحد منهم وهو الصاغ محمود أبوبكر، وكان المبتدأ، وها أنا ذا آتي بالخبر الأول عن مسيرة العساكر ومساهمتهم الثرة في دنيا الغناء والألحان.
ومن هؤلاء شاعر وملحن، رغم أنه صارم القسمات، إلا أنه يملك قلبًا مرهفًا وسريرة بيضاء. ظهرت أغنياته في النصف الثاني من خمسينيات القرن الماضي، وهو سعادة العميد الطاهر إبراهيم، وقد ارتبط ارتباطًا وثيقًا بالفنان الذري إبراهيم عوض، وساهم مساهمة كبيرة في مسيرته الفنية، فقد كانت كلماته وألحانه بمثابة الجناح الذي حلق به الذري في سماء الأغنية السودانية الخفيفة.
فكانت أغنيات ذات طابع خفيف راقص، فجاءت: متين يا روحي نتلاقى، وملاذ أفكارنا، وكنت معاك سعيد، وشاركي حياتي، وعهود، وليه تظلمني، وأغنية حبيبي جننى التي كان لها دويّ هائل في الوسط الفني، فجننت كل الشعب السوداني فرددها بمحبة خالصة وكمفردة جديدة في عالم الغناء.
وأيضًا لابد لنا أن نذكر في هذا المقام سعادة الجنرال اللواء عوض أحمد خليفة، فجادت قريحته بحلو الكلام وارتبط فنيًا بالأستاذ عثمان حسين، حيث بدأ تعاونهما منذ مطلع الستينيات، فكانت أغنيات بطعم البرتقال وعصير المانجو، تذوقها عشاق الفن، فكانت ترياقًا لآلامهم وأنيسًا لوحدتهم.
فمنحه ما لا يقل عن عشر أغنيات منها: عشرة الأيام، خلي قلبك معاي شوية، وشتات الماضي، وصدقيني، وحياة غرامنا، وربيع الدنيا، وأيام شبابي، وباقي أخواتها النواضر.
لم يقف إبداعه على الفنان عثمان حسين، فمنح زيدان أغنية بالي مشغول وفي بعدك يا غالي، كما منح أبو عركي لو كنت ناكر للهَوى زيك، كما منح كابلي ثلاث زهرات يانعات وهي أغلى من عينيَّ وأحلى من ابتسامي وكيف يهون وما خلاص خليتنا، كما منح الفنان عبد العزيز محمد داود أغنية تابي الذاكرة أم تذكرها.
كذلك لابد لنا أن نذكر سعادة الفريق جعفر فضل المولى الذي ساهم مساهمة مقدرة في مسيرة البلابل، فكانت أغنية يا ابعاج أخوي يا دراج المحن أول إنتاج خاص للبلابل، وقد أطلق عليهن اسم البلابل الأديب علي المك.
وجعفر فضل المولى كانت له عدة أغنيات لفنانين آخرين، فغنت من كلماته عائشة الفلاتية ومنى الخير وحسن عطية وزيدان إبراهيم وغيرهم.
أما في جانب التلحين، فقد ضمت هذه المؤسسة العسكرية مبدعين في مجال التلحين، ومن أشهرهم وأعذبهم نغمًا الموسيقار عمر الشاعر، صاحب لحن العزيزة الما بتحاول يوم تزورنا التي تمنى الأستاذ محمد وردي أن تكون من ضمن أغنياته للحنها البديع وكلماتها الرصينة.
ارتبط الملحن عمر الشاعر بالفنان زيدان إبراهيم، فلحن له العديد من الأغنيات منها: ما أصلو ريدة، ووسط الزهور متصور، وقصر الشوق، وقضيت معاك عمر السنين.
وامتد تعاونه مع عدد من المطربين منهم عثمان مصطفى وعبد العزيز المبارك وإبراهيم حسين.
وكذلك لابد لنا أن نتعرض للملحن الرائد الفاتح كسلاوي، صاحب الألحان المميزة، ومن أشهرها يا مذهلة (بتقولي لا) ويا عزنا، الأغنيتان للفنان عبد العزيز المبارك، ومطر الرشاش لصديق عباس، وفي بعدك يا غالي أضناني الألم لزيدان، وعينيّا ما تبكي لترباس.
هذا هو الخبر الأول عن المؤسسة العسكرية، ويبقى لنا خبر ثانٍ في مقال آخر.