حرب السودان .. نزوح ولجوء مستمر وصمت دولي مريب
حرب السودان .. نزوح ولجوء مستمر وصمت دولي مريب
تقرير: مجدي العجب
في قلب المأساة الإنسانية التي تلفّ السودان منذ اندلاع الحرب التي شنتها مليشيا الدعم السريع المتمردة في 15 أبريل من العام 2023، تتكشّف فصول من الألم والصمت العالمي الذي يندى له جبين الإنسانية. أكثر من اثني عشر مليون نازحٍ ولاجئ، تشرّدوا عن بيوتهم ومدنهم وقراهم، بحثًا عن مأوى يحميهم من الموت، وعن لقمة تسدّ رمق الجوع الذي ينهش أطفالهم. ومع ذلك، ظلّ صدى معاناتهم خافتًا في آذان العالم، لا يسمعه إلا من يملك ضميرًا حيًّا، بينما غابت اليد الدولية التي طالما امتدت سريعًا في أزماتٍ أخرى. وفي الوقت الذي تدفقت فيه المساعدات بسخاء نحو أوكرانيا وغزة، ظلّ السودانيون وحدهم في مواجهة المجهول، لا غذاء، لا دواء، لا مأوى، ولا حتى صوت ينادي باسمهم في المحافل الدولية، إلا على استحياء.
احصاءات جافة
واكتفت المنظمات الحقوقية والإنسانية بإحصاءاتٍ جافة عن الجوع وسوء التغذية والمرض والموت، وببيانات شجبٍ لا تُسمن ولا تُغني عن جوع. وفي الميدان، تتحدث الصور عن واقعٍ أكثر قسوة من الأرقام. أطفالٌ يفترشون الأرض في معسكرات النزوح شرق دارفور، ينامون على التراب تحت سماءٍ بلا رحمة، ونساءٌ يكابدن الجوع والعطش في صمتٍ موجع. كبار السنّ ينتظرون جرعة دواء لا تصل، وأمهات يحملن بين أذرعهنّ أطفالًا أنهكهم المرض والبرد والجوع. إنها وصمة عارٍ في جبين الضمير الإنساني، وحرب لا تقتل بالسلاح فقط، بل بالإهمال والصمت المريب والنسيان. وبينما يحذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية من كارثةٍ تتسع رقعتها يومًا بعد يوم، يظلّ النداء الأكبر موجهًا إلى العالم: متى يستفيق الضمير قبل أن يُدفن ما تبقّى من إنسانيةٍ تحت ركام الحرب؟. وحتى على مستوى الإعانات الخجولة التي تُقدَّم عبر دارفور، فإن مليشيات الجنجويد التي تمارس الانتهاكات والإبادات الجماعية ضد مكوّناتٍ بعينها تصادرها دون مراعاةٍ لحقّ الإنسان في دارفور.
تحذير
وحذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية من تدهور الوضع الإنساني لآلاف الأسر النازحة من مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور. وأوضح المكتب أن النازحين في منطقة طويلة يعيشون في ظروفٍ قاسية للغاية، دون غذاء كافٍ أو مياهٍ نظيفة أو مأوى أو رعايةٍ طبية، مشيرًا إلى أن المنظمات الإنسانية تعمل مع شركاء محليين لإنشاء مخيماتٍ جديدة لاستيعاب الوافدين الجدد من الفاشر.
حال النازحين
من جانبها، رسمت غرفة طوارئ شرق دارفور صورةً قاتمة للأوضاع الإنسانية القاسية التي يعيشها النازحون في معسكرات خزان جديد بالولاية. وقالت الغرفة في تدوينةٍ على فيسبوك إن النازحين يفترشون الأرض بلا مأوى ولا غذاء ولا دواء، وسط صرخات الأطفال الجوعى وأنين المرضى من كبار السن، وناشدت كل صاحب ضميرٍ حيّ وشركاء العمل الإنساني لإنقاذ الأرواح.
أزمة نزوح
وقالت مفوضية اللاجئين إن حرب السودان تُعدّ أكبر أزمة نزوحٍ في العالم، وأسفرت عن تشريد 12 مليون شخص. وأضافت في منشورٍ على فيسبوك أن آلاف العائلات تستمر في الفرار من العنف القائم في إقليم دارفور، داعيةً المنظمات الإنسانية إلى التدخل العاجل وتقديم الدعم اللازم للفارين من الحرب.
العالم يتغافل
ويقول الأكاديمي والمحلل السياسي أبكر آدم إن العالم تغافل عمّا يحدث في السودان، وأضاف في حديثٍ لصحيفة (ألوان): إن ما يحدث في السودان هو المأساة الحقيقية التي تحتاج من أحرار العالم الالتفات إليها، فهنالك جرائم وإبادة جماعية تُمارس من قبل مليشيا الدعم السريع، والعالم وكل المنظمات تمارس السكوت والصمت ولا تمدّ أيديها إلى نازحي السودان.
صمت مخجل
ووصف الصحافي والمحلل السياسي قرشي عوض الوضع بالكارثي، وقال قرشي في حديثٍ لصحيفة (ألوان): إن المنظمات في العالم لم تنتبه إلى ما يحدث في السودان، خاصة في دارفور بعد احتلال الفاشر من قبل مليشيا الدعم السريع، وزاد في قوله لنا: مليشيا الدعم السريع المتمردة بمجرد دخولها إلى منطقةٍ ما، فإن أول ما تفعله هو مصادرة قوت الناس وتجويعهم، الأمر الذي جعل كل المواطنين يفرّون من مناطق سيطرة المليشيا. وأضاف: العالم لم ينظر إلى الواقع السوداني نظرةً ولم يتعاطف معه وفقًا لما حدث له خلال السنين السابقة. ودعا قرشي الشعب إلى مزيدٍ من التكاتف والترابط الاجتماعي، فإن العالم الآن يتناسى محنتنا، ووصف ما يحدث في دارفور بالكارثي، وقال: ما يحدث في دارفور كارثةٌ إنسانية، خاصة بعد سقوط الفاشر في أيدي مليشيا الدعم السريع، فهي لا تعرف سوى الموت وإهانة الإنسان. وزاد: المليشيا لن تقدّم إلا القتل والدمار وسرقة أموال المواطنين بعد سحلهم، فلا يُعوَّل عليها أو تُؤتمن على إعانةٍ أو إغاثة.