ثلاثية السبت

ولألوان كلمة

حسين خوجلي

ثلاثية السبت

1

أنا من محبي التواشيح والمدائح والأذكار بالعامية السودانية لكنني أحب أن أغترف من بحر الفصيح من مدائح المصطفى صلى الله عليه وسلم فماذا تقترح؟.

أبوبكر الولي – الدامر

هنالك يا (ود الولي) أشعار البوصيري والصرصري وأحمد شوقي وإبن الفارض والبرعي اليماني والبرعي السوداني في قصائده الفصيحة وأميرهم الشيخ قريب الله قدس الله سره صاحب المعتقات والعواتك الجياد من القصائد المفردة، ولكن لا بأس أن تبدأ بالنابلسي ففيه رصانة ورقة كل هؤلا ء ومما بدأنا به حفظاً

أنا موسى العشق ربي أرني
بك أن أنظر ظبياً شردا
لاح لي جمر على وجنته
كلما أدنو إليه بعدا
فلعلّي منه ألقى قبساً
أو يرى قلبي على النار هدى
قم تأمل أيها الغافل لم
يخلق الرحمن ذا الحسن سُدى
وتعرض لهواه فلقد
جاء من ناحية الستر نِدا
وإذا لامك من ليس له
نظر فاخرب عليه البلدا

2

أبحث عن دوواين الشاعر والسياسي والرئيس والوزير محمد أحمد محجوب ولا أجدها وقد سمعت أن له (قلب وتجارب، مسبحتي ودني، والفردوس المفقود) فأرجو أن تهديني قصيدة للرجل مما تحب وسوف أعدك أن أسعى جاهداً لأجد دوواينه جميعها.

مجدي عباس – مدينة النيل

رغم وعثاء السياسة والقانون والهندسة ومناكفات البرلمان إلا أن المحجوب وجد متسعاً من الوقت ليبني الكثير من الصروح الشعرية الباذخة الباقية ورغم أن عامة أهل السودان وخاصتهم يحفظون له ويحتفظون بقصيدته العصماء في رثاء السيد عبدالرحمن التي ابتدرها بالبيت الشهير المتدوال

العيد وافى فأين البشر والطرب
والناس تسأل أين الصارم الذرب
الواهب المال لا من يكدره
والصادق الوعد، لا مين ولا كذب
بكى المصلى جبين الأنبياء به
وفارق المنبر الصناجة الأرب
وخالط الناس يتم بعد فرقته
ففاتهم منه، يوم النازلات، أب
جئنا إلى الدار نهديها تحيتنا
كالسالفات، فما للدار تنتحب

أما ما يستوقفني في قصائد الرجل قصيدته الرامزة قصيدة (قلمي)وقد قيل والعهدة على الرواي أن هذا القلم الذهبي أهدته له أديبة لبنانية كانت معجبة بالرجل وشعر الرجل وخطابته ،وكان له إحتفاء خاص بهذه الهدية إلا أن القلم اختفى في إحدي جلسات اللجان بالبرلمان عندما سرقه أحدهم حاجة أو إغاظة للرجل الكبير ، فحزن له حزناً شديداً مثل حزن الجاغريو على (خاتمه العاجب البنوت) فرثاه وعرض بسارقه، والقصيدة شهيرة ونصها القصير المثمر يقول أبو سامي:
مـاذا صنعتَ بـه وكـان إذا جـــــــــــرَى
نَفَثَ الـبـيـانَ الـحُـرَّ غـيرَ مقــــــــيَّدِ؟
قـلـمٌ تحـرَّرَ مـن قُيـودِ زمــــــــــــانِهِ
ومضى طلـيـقًا لا يـديـنُ لســــــــــــيِّد
كـالـحـيِّة الرّقطـاءِ يــــــــــــنفثُ سُمَّهُ
إمّا غضبتُ عـلى أثـيـــــــــــــــمٍ مُعْتد
وإذا رضـيـتُ فـمـا أرقَّ سُطــــــــــــورَهُ
نثرًا وأبـهـاهـا عُقـودَ زُمـــــــــــــرُّد
كـم غادةٍ خلُدَتْ بسحْرِ بـيــــــــــــــانِهِ
فغدتْ تتـيـهُ بحسْنِهـا فـي الـــــــــمشهد
صـاحـبتُه زمـنًا فأحسنَ صُحـبتــــــــــــي
وَوَدِدْتُ لـو يبقى يُقـاسمُنــــــــــــي غدي
يـا سـارقًا قـلـمـي جَهلْتَ مكــــــــــانَه
لا يعـمـلُ الصَّمـصـامُ إلا فـي يــــــــدي

3

كنت طالباً بالثانويات وحضرت لوزارة الثقافة والإعلام لاستخراج صور وثائقية لرغبتنا في إقامة معرض للإستقلال بالمدرسة الأهلية، وكان هنالك قسم التصوير الفوتوغرافي بالوزراة يقدم مثل هذه الخدمات للجمهور حيث لم يعرف الناس بعد خدمات الإنترنت في السبعينات، ولأن قيمة الفاتورة كان باهظة علي ميزانية طالب في ذلك الزمان فقد نصحني مدير التصوير الفوتوغرافي بمقابلة المدير التنفيذي لمكتب الوزير لعفيني أو يخفض القيمة وكان يومها وزير الثقافة والإعلام العميد المثقف الراحل عمر الحاج موسى وكان مدير مكتبه الشاعر عزيز التوم منصور وهو من مثقفي بلادنا وشعراءها ومن أبناء الطائفة القبطية بالسودان وقد ولد بالأبيض وحفظ القرآن، ورغم أنه بقي على نصرانيته إلا أنه كان غارقاً في الثقافة العربية وآدابها ، وكان شعره يعج بالمفردات والأثر القرآني والإستدلال بأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وكان الرجل مايوياً قٌحاً، وله النشيد التعبوي والموسم بهدير الدم الذي غناه الثنائي الوطني وقد غنت له البلابل مطولته الرائعة (ليل الشجن) التي لحنها الموسيقار أنس العاقب، وتغنى له الكابلي بقصيدته الفصيحة (بعينيك قام العتاب الجميل شهيداً علي أني مذنب) ومن قبلها غني له الكابلي (يا فلسطين اسلمي) التي يقول فيها:
من دمي سأكتب فـــوق أرضك يا فلسطين أسلمي
وأموت يا يافا شهيداً وأسمك في فمي
واذا قضيت لتسلمي واذا حييت لتنعمي
وتطلعي واستبشري لتنعمي
قد جئت من بلدي إليك أموت عنك لتسلمي
لبيت دعـــوة ثائر صلب وشعب مسلم
قد حان يا اسرائيل موعدنا فجني وافزعي

أما قصيدته التي اشتهرت وطبقت الآفاق هي البابلية التي كتبها في وداع ورثاء (أم الكبائر) الخمر وكان الرجل مولع بالفاخر منها وبمجالسها التي تضم الكبار من أصدقاءه أصحاب الولع بها وبالأدب واللطائف ورغم هذا الحب النواسي للخمر إلا أنه أقلع عنها حين أصدر المشير جعفر نميري أمراً بتحريمها وصنعها وتداولها وكتب قصيدته التي سمعتها أول مرة كاملة من مولانا الوزير دفع الله الحاج يوسف عليه الرحمة وأهداني نسخة منها، ومن الذين كانوا يحفظونها السياسي الإتحادي ومذيع البي بي سي الراحل علي أبو سن وقد قرأها علي مرة بلسان متفصح وبأداء رشيق ورفيع الإقتصادي صلاح أبو النجا وكان يتوقف كثيراً في أبياتها الأخيرة التي تعبر عن الإلتزام السياسي والأخلاقي والطرح الراشد الجديد وقد ختمها بالأبيات الهادية والمهتدية:
إن الرئيس أبى على وصالها وأقام حُرَّاساً على أبـــــــوابها
وإذا الرئيس أبى أبيت وطاعتى لاترتقى الشبهات فى أسبابها
هذا زعيمى قد رضيتُ بحكمه وشريعة ما كنت من أربابها
إنّ الزعامة فى الرجال مهابة والأُسْدُ تملك أمرها فى غابها
نبحت كلاب دويلة مأجورة وأنا الذى يكفيك نبح كلابها

و(دويلة مأجورة) ضعوا تحتها ألف خط وخط وما أشبه الليلة بالبارحة! أما نص القصيدة لهذا الشعر الجميل وإن اختلفنا حول مضمونه إلا أن التوثيق يقتضي منا الصدق الفني دون زيادة أو نقصان يقول عزيز التوم منصور والذي دعوت له من قلبي أن يهمس بكلمة التوحيد سراً حين يلتفت عن وجهه الكهان والأحبار والقساوسة

صفراءُ حيّا الله لمْع حبابِها رقصت نجومُ الليلِ فى أكوابِهــــا
صفراء صافيةٌ يكاد زجاجها من صفوِهِ ينساب بين حبابهـــا
ولدتْ مع الازهار فى اكمامها ونمت ونثر الطلِّ فى أهدابهــــا
وإذا الصباح الصحو حيا كرمَها خزنت شعاعَ الشمس فى أعنابها
وإذا النسيم الرخو داعب غصنها جعلت عبير الزهر من أطيابهــا
حتى اذا ينعَتْ تولَّى أمرَها ذو خبرةٍ يـــجلو فتـــــون شبابـــهــا
ومشت مرنحة الدنان يديرها ساقٍ يدور بها على خُطّابـــــــها
عصرت لليلة متعة مشهودةٍ إنَّ العروس مُنىً بغير ثـــــــيابهــا
تتعدد الاوصاف فى ألوانها كتعدُّد الأسماء فى أنســـــــــابهـــا
الراح من أسمائها والليل من ندمــائهـــا والخمر من ألقابهـــا
هاروت دسَّ السحر فى قطراتها وأشاع ألوانا على أترابهــــــا
نار المجوسيين فى أحشائها ولظى المجوسيات فى تلهابها
ذابتْ هموم الناس فى رشفاتها وتعبَّد الشعراء فى محرابها
صفراء راحلة بكى لفراقها أحبابُها وبكت على أحبابها
البابلية يوم قيل لها ارحلى ذهبت ليالى الأنس يوم ذهابها
المحسنون الوصف من شُرَّابها والقارضون الشعر من طلاَّبها
والمازجون خيالهم بخيالها والكأس بين أناملٍ وخضــابها
باتوا وقد رحلت فجاءة (فاعل) ماكان ضمن حسابهم وحسابها
باتوا بيات الظامئين وأصبحوا يسعون خلف شميم مسك ترابها
وقفوا بشطء النيل يوم وداعها فى لوعة لعذابهم وعذابها
سالت وسال النيل وامتزجت به والموج مندفع على اعقابها
عادت لبابل فى ثياب مذلّة ماكان أكرمها على أثوابها
ولرب نازحةٍ اضاف لشجوها مر الشكاة الغدر من أصحابها
إن الأُلَى سجد الرجال لبأسهم من بأسها سجدوا لدى أعتابها
تعطيهمُ الا الحقيقة فيهمُ والوهمَ من حلو المنى وكذابها
تمضى القرون وماتزال فتيةً سمراء يجرى الناس خلف سرابها
يهفو إليها القوم إلا أنه شتان بين كتابهم وكتابها
البابليَّة طالما سامرتها ونعمت فى ليل الهوى برضابها
طارحتها شوق المحبِّ ووجده وجمعت ما بى فى اللهيب وما بها
إن الرئيس أبى على وصالها وأقام حُرَّاساً على أبـــــــوابها
وإذا الرئيس أبى أبيت وطاعتى لاترتقى الشبهات فى أسبابها
هذا زعيمى قد رضيتُ بحكمه وشريعة ما كنت من أربابها
إنّ الزعامة فى الرجال مهابة والأُسْدُ تملك أمرها فى غابها
نبحت كلاب دويلة مأجورة وأنا الذى يكفيك نبح كلابها.