مجلس حقوق الإنسان .. فضح انتهاكات المليشيا في الفاشر
تقرير: ألوان
اعتمد مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة يوم الجمعة وبالاجماع قرارا قضى بتشكيل بعثة دولية للتحقيق في الانتهاكات التي ارتكبت بحق المدنين في مدينة الفاشر بشمال دارفور، بعد سيطرة مليشيا الدعم السريع عليها. وأمر مجلس حقوق الإنسان المحققين بالسعي لتحديد هويات جميع المتورطين في الفظاعات التي يشتبه بأنها ارتُكبت في الفاشر للمساعدة في جلبهم للعدالة. ورحبت وزارة الخارجية والتعاون الدولي بصدور قرار مجلس حقوق الإنسان الذي أدان بوضوح الفظائع والانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها الميليشيا المتمردة والمجموعات المتحالفة معها داخل مدينة الفاشر وفي محيطها. وتشمل هذه الانتهاكات القتل على أساس العرق، والتعذيب، والإعدامات خارج نطاق القانون، والاحتجاز التعسفي للمدنيين، والتجنيد القسري، إضافةً إلى استخدام الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي كسلاح في الحرب. وثمّنت الوزارة في بيان ما ورد في القرار من تأكيد قوي على احترام سيادة السودان ووحدته وسلامة أراضيه، والتضامن الثابت مع شعبه.
ورحّبت الوزارة كذلك بما تضمّنه القرار من مطالبة لكافة الأطراف والدول باحترام وحدة السودان وسلامة ترابه، ورفض أي محاولات لإنشاء سلطة موازية في المناطق التي تسيطر عليها الميليشيا المتمردة. وفي الوقت نفسه، جدّدت وزارة الخارجية والتعاون الدولي موقف حكومة السودان الراسخ تجاه محاولات إدراج آليات محل خلاف ضمن هذا القرار، استناداً إلى قرارات سابقة لم تحظَ بموافقة الدولة. وأكّدت الوزارة التزام الحكومة السودانية بالتعاون والتنسيق مع آليات حقوق الإنسان العاملة في البلاد، بما في ذلك المكتب القطري للمفوضية السامية لحقوق الإنسان، والخبير المعين المعني بحالة حقوق الإنسان في السودان، وذلك بهدف تمكين هذه الآليات من أداء مهامها، وتعزيز حماية حقوق الإنسان، وضمان تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا، ومنع الإفلات من العقاب. كما شدّدت الوزارة على أن المكتب القطري لحقوق الإنسان هو الآلية الموجودة على الأرض والقادرة على رصد ورفع التقارير حول الفظائع التي ارتكبتها الميليشيا في الفاشر، وكذلك الانتهاكات الواسعة التي طالت مدناً وولايات سودانية أخرى، وذلك بالتنسيق والتكامل مع الآليات الوطنية ذات الصلة.
من جانبه قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك إن السودان عالق في حرب بالإنابة تُخاض للسيطرة على موارده الطبيعية، محذرا من أن الفظائع التي وقعت في مدينة الفاشر تمثل أخطر الجرائم المتوقعة والتي كان يمكن منعها. وأضاف تورك في تصريحات أن سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر أعقبتها إعدامات على أساس عرقي، وعمليات اغتصاب جماعي وخطف، فضلا عن توقيف تعسفي واعتداءات متكررة على منشآت طبية ودور عبادة، واصفا ما يحدث بأنه فظائع صادمة.
وشهد مجلس حقوق الإنسان في مقره بجنيف جلسة مشاورات مطولة حول مشروع قرار خاص بمدينة الفاشر والمناطق المحيطة بها، وسط حضور دبلوماسي مكثف ومطالبات حقوقية بإجراءات عاجلة لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات. وشارك في الجلسة ممثلون عن 24 دولة من أصل 47 دولة عضوًا في المجلس، إلى جانب دعم إضافي من أكثر من 31 دولة بصفة مراقب. واستمرت النقاشات من الصباح حتى الظهيرة، قبل أن تُستأنف في جلسة إضافية داخل القاعة الكبرى استغرقت نحو ساعة ونصف، وتمحورت حول الانتهاكات التي شهدتها الفاشر ومدن سودانية أخرى، مع مطالبات بإعداد تقرير شامل قد يشمل كامل البلاد.
وتميزت الجلسة بحضور رسمي لوفد من الحكومة السودانية، في خطوة غير مسبوقة مقارنة بجلسات مماثلة سابقة. وطالب الوفد الحكومي بإدانة صريحة وفضح انتهاكات قوات الدعم السريع ضمن مشروع القرار، كما دعا إلى أن يتولى مكتب مفوضية حقوق الإنسان إعداد التقرير بدلاً من البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في السودان. غير أن غالبية الدول الأعضاء أيدت تمكين البعثة الدولية المستقلة من إعداد التقرير استنادًا إلى ولايتها الواضحة في هذا المجال. ومن المقرر أن يُعرض التقرير الخاص بالفاشر على الجلسة المقبلة لمجلس حقوق الإنسان المقررة بين نهاية فبراير ومطلع أبريل المقبل.
وقادت مجموعة أساسية من الدول، تضم المملكة المتحدة وألمانيا وهولندا والنرويج وأيرلندا وموناكو، المشاورات، مؤكدة أنها أخذت بعين الاعتبار جميع الملاحظات المقدمة من الدول المشاركة، إلى جانب مداخلات منظمات المجتمع المدني مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش والمركز الإفريقي للديمقراطية ودراسات حقوق الإنسان. كما تلقت الجلسة مذكرات من أكثر من 30 منظمة حقوقية طالبت بإحالة الوضع في السودان إلى المحكمة الجنائية الدولية، ورفع الملف إلى مجلس الأمن الدولي لاتخاذ قرارات ملزمة، بما في ذلك فرض هدنة إنسانية أو وقف فوري لإطلاق النار.
وأوضح الدكتور محمد صالح يس، المدافع عن حقوق الإنسان، أن المجموعة الأساسية تسعى إلى تعديل مشروع القرار بما يراعي ملاحظات جميع الأطراف، بهدف التوصل إلى توافق وإجماع داخل المجلس وتفادي اللجوء إلى التصويت. وأكد يس أن الجلسة شهدت حضورًا كثيفًا داخل القاعة الرئيسية، ما يعكس الاهتمام الدولي المتزايد بالأوضاع في السودان، خاصة في المدن المحاصرة مثل بابنوسة والدلنج وبارا إلى جانب الفاشر. وشدد على أن المجتمع الدولي يولي أهمية قصوى لوقف الحرب وضمان وصول المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين ضمن رؤية واضحة المعالم.
واعتبرت منظمة هيومن رايتس ووتش أن عقد الجلسة الطارئة يمثل فرصة مهمة لتسليط الضوء على الانتهاكات وتعزيز جهود المساءلة، مشددة على ضرورة أن يطلب مجلس حقوق الإنسان إجراء تحقيق خاص من قبل البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في السودان وتوفير الموارد اللازمة لذلك. وأكدت المنظمة في بيان لها أن الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي فشلا في اتخاذ إجراءات فعالة لحماية المدنيين، كما أن العديد من الحكومات لم تفرض عقوبات على المسؤولين عن الانتهاكات، ولم تواجه الجهات التي تقدم دعماً عسكرياً لقوات الدعم السريع، وعلى رأسها الإمارات العربية المتحدة.
وطالبت هيومن رايتس ووتش القادة والهيئات الإقليمية والدولية بدعوة الإمارات إلى تعليق دعمها لقوات الدعم السريع وفرض عقوبات على قيادتها، إلى جانب نشر بعثة ميدانية لحماية المدنيين. وحذرت المنظمة من أن أي إجراء أقل من ذلك سيعرض مزيدًا من الأرواح للخطر ويمنح مزيدًا من القوة لجماعة مارست الإرهاب واستهداف المدنيين عمدًا على مدى سنوات. وأشارت إلى أنها حللت عشرات مقاطع الفيديو التي صورتها قوات الدعم السريع، وتُظهر مقاتلين يحتفلون فوق جثث القتلى وينفذون إعدامات ميدانية بحق مدنيين، بينهم جرحى، ويسخرون من الضحايا.
وأفادت المنظمة أن أحد المقاطع يُظهر جنديًا من قوات الدعم السريع وهو يُعدم رجلًا مسنًا داخل كلية الطب بجامعة الفاشر في غرفة تملؤها الجثث. كما نقلت عن الأمم المتحدة أن قوات الدعم السريع ارتكبت مجزرة بحق المرضى والعاملين في مستشفى السعودي للولادة. وشددت هيومن رايتس ووتش على أن هذه الانتهاكات المروعة باتت مألوفة بشكل مأساوي، مشيرة إلى أن قوات الدعم السريع ارتكبت جرائم ضد الإنسانية في مختلف أنحاء السودان، بما في ذلك حملة تطهير عرقي في غرب دارفور عام 2023، وعنف جنسي واسع النطاق في الخرطوم وجنوب كردفان. وأضافت أن خطر الانتهاكات المستمرة لا يزال قائماً في شمال دارفور ومنطقة كردفان.