الجيش في كردفان .. معارك التحرير تبدأ من كازقيل وأم دم حاج أحمد

الجيش في كردفان .. معارك التحرير تبدأ من كازقيل وأم دم حاج أحمد

تقرير: مجدي العجب

في قلب الحراك العسكري الذي يشهده السودان، ومع تصاعد وتيرة المواجهات في إقليم كردفان، تتجلى إرادة الجيش السوداني بقوة في معارك التحرير الحاسمة التي تستهدف دحر المليشيا المتمردة وإعادة فرض سيادة الدولة على كامل تراب الوطن. ولا تزال رائحة البارود تعبق في أجواء كازقيل وأم دم حاج أحمد، حيث تخوض القوات المسلحة معارك مشرفة لاستعادة هذه المناطق الحيوية، وسط تكبيرات الجنود وحناجر الأهالي التي تعانق الأمل في الانتصار. وتزامن هذا الزحف العسكري مع وصول تعزيزات ضخمة إلى كردفان، في إشارة واضحة إلى تصميم القيادة العامة على حسم المعركة وتحرير جميع المناطق التي حاولت مليشيا الدعم السريع إحكام قبضتها عليها. مشاهد الآليات المدرعة وهي تشق طريقها وسط الهتافات الشعبية تعكس يقظة الوطن ونهوضه من رماد الحرب، مدفوعاً بإيمان لا يتزعزع بأن السودان سيعود للجميع، آمناً، موحداً، وعزيزاً. هذا هو زمن الجيش الذي لم يتخلَّ يوماً عن مبادئه، يكتب بدماء أبطاله فصولاً جديدة من تاريخ المقاومة، ويرسم بطلعات النصر ملامح فجرٍ جديد تُزهِر فيه العدالة والأمن والسيادة.

 

الجيش يكتسح

 

وانطلقت معارك التحرير من نقطة التحول الاستراتيجية: كازقيل، ثم أم دم حاج أحمد بولاية شمال كردفان، لتصبحا عنواناً لصمود الجيش السوداني في مواجهة مليشيا الدعم السريع ومحاولاتها فرض واقع جديد بقوة السلاح. ففي هذه البقاع التي ملأ صمتها صوت الرصاص، بدأ الجيش صفحة جديدة من المواجهة، معلناً بدء العمليات العسكرية لاستعادة السيطرة على كل شبر دنسته الفوضى. كازقيل كانت الشرارة الأولى، حيث انطلقت منها قوات الجيش بعزيمة لا تلين، تخوض مواجهة عنيفة لاسترداد الأرض والكرامة. وما هي إلا ساعات حتى انتقل الحسم نحو أم دم حاج أحمد، المدينة التي قاومت كثيراً وتنتظر الآن أن تُحرَّر بالكامل من براثن الفوضى. هذه المعارك لا تُعد مجرد عمليات عسكرية، بل هي استعادة لهوية الوطن وروحه، تثبت فيها القوات المسلحة مرة أخرى أنها الدرع الحصين والشريان النابض الذي لا يتوقف عن ضخ القوة في عروق الأمة. وكردفان اليوم ليست مجرد ساحة حرب، بل هي رمز لتوق السودانيين إلى الأمن والاستقرار، ومشهد للبطولة والتضحية، حيث تُكتب الأحداث بالدم والعرق، لكن أيضاً بالأمل الصادق في أن تعود الحياة إلى طبيعتها في ربوعها الخضراء وقلوب أهلها الصابرين.

 

خسائر المليشيا

 

ويقول العقيد م. محمد فرح: لكل عمل أياً كان مسماه مدنياً أو عسكرياً، هناك خبرات تُكتسب مع التجارب والممارسة اليومية، فيبدو أن القوات المسلحة السودانية قد اكتسبت خبرات كبيرة في كيفية التعامل مع قوات مليشيا الدعم السريع المتمردة. ويضيف في تصريح خص به (ألوان): فمن خلال هجمات الجنجويد على المدرعات وسلاح الإشارة والمهندسين قد تم إهلاك القوة الصلبة للمليشيا، فكانت هذه المعارك تتم عبر أساليب انتهجتها القوات المسلحة وفق سلوكيات المليشيا التي تفتقد لقيادة واعية ومدركة وقارئة لمسارات المعارك، وهذا ما تميزت به القوات المسلحة السودانية التي انتهجت أساليب الإنهاك وقصقصة الأجنحة والانقضاض، كما يحدث في كازقيل. وقال فرح: وأم دم حاج أحمد هو أحد أساليب الإنهاك وإحداث الخسائر في الأفراد الذين يمثلون الميزة التفضيلية في هذه الحرب المعقدة في تكتيكاتها، فمن أخطر وأهم أنواع الإمداد هو الإمداد بالرجال، وهذا ما تفتقده كثير من الجيوش على مستوى العالم. وزاد فرح في قوله: اكتسبت القوات المسلحة السودانية خبرات كبيرة في حربها مع المليشيا المتمردة، والآن تمارس معها نظرية الخسائر البشرية الكبيرة كما يحدث الآن في كازقيل جنوب غرب الأبيض، التي أصبحت مخلب قط أدى لهلاك أعداد كبيرة من أوباش الدعم السريع، ما يمثل إحباطاً معنوياً لأصحاب مشروع السيطرة على السودان وموارده المأهولة في مختلف الأقاليم. وأكد فرح أن القوات المسلحة عبر قيادتها الواعية القارئة بحصافة لسير المعارك استطاعت أن تنتهج تكتيكات قتل أكبر عدد من جنود المليشيا وقادتها.

 

نقطة تحول

 

فيما يرى خبراء عسكريون أن بداية اكتساح الجيش لمناطق كازقيل وأم دم حاج أحمد تمثل نقطة تحول استراتيجية في مسار الحرب، وتؤشر على انتقال القوات المسلحة من مرحلة الدفاع إلى الهجوم المبادر والمنظم. وتؤكد التحليلات أن هذا التقدم لم يكن مفاجئاً، بل ثمرة إعداد دقيق وخطط محكمة استندت إلى المعلومات الاستخبارية والمساندة الشعبية.
ويشير المحللون إلى أن المعارك في كازقيل كانت بمثابة اختبار لمدى تماسك المليشيا، وقد أظهر الجيش قدرته على تنفيذ عمليات عسكرية نوعية في مناطق كانت تُعد معاقل للتمرد. أما التقدم في أم دم حاج أحمد، فيعكس التحول إلى العمل على محور استراتيجي أكبر يستهدف قطع خطوط الإمداد وتفكيك ما تبقى من قدرات المليشيا. كما يعتقد الخبراء أن الدعم الشعبي والتأييد المحلي للجيش في هذه المناطق ساهم في سرعة الحسم العسكري، حيث شكّل الأهالي خطوط دعم معنوية ولوجستية. ويرى البعض أن هذه الانتصارات قد تكون بداية سلسلة عمليات أوسع تمهّد لإعادة السيطرة على كامل إقليم كردفان، مما قد يعجّل بإنهاء التمرد في بقية المناطق.