
عامر باشاب يكتب: أبو شورة .. رحيل (إنسان رقيق وناس)
قُصر الكلام
عامر باشاب
أبو شورة .. رحيل (إنسان رقيق وناس)
قبل أن تجف دموع أحزاننا على رحيل أحد نبلاء وطن النجوم يفجعنا هادم اللذات بتغيب آخر من زمرة الرائعين السابقين بالإبداع والإمتاع. بالأمس صدمنا برحيل الشاعر الوطني القدير عبد القادر أبو شورة صاحب الأغنية الوطنية
الثائرة الباهرة (حدق العيون ليك يا وطن أصبح مقر أصبح سكن) التي أبدع في تلحينها ثم أدائها إمبراطور الأغنية السودانية محمد عثمان وردي.
ومن أعماله الإبداعية المسجلة بأحرف من نور بموسوعة الأغاني العطفية، واحدة من أروع الروائع الغارقة في الرقة والحنان، ألا وهي:
(عاطفة وحنان) التي قدمها له الفنان المبدع القامة محمد ميرغني ويقول مطلعها:
(عاطفة وحنان يا ناس
إنسان رقيق وناس
وعيون تضوي الليل
وقلب رقيق حساس
ضمتنا جلسة ريد
نستنا دنيا الناس
ما شفنا فيها ملل
ولا طاف علينا نعاس
جاد الزمان عطر دنيانا بالأفراح
وهب النسيم أسكر
أرواحنا من غير راح
قصر علينا الليل
وليل الأحبة صباح
وأدينا حق العين
وشوق السنين ارتاح)
وهنا أشهد وحسب معرفتي اللصيقة بالشاعر الراحل أبوشورة أن طيب خصاله وأصالة معدنه ظلت انعكاساً لمعاني مفرداته الشعرية حيث تجسدت ماثلة بكل وهجها في شخصيته. فعاش بين الناس إنساناً رقيقاً حساساً، بل كان كيان يتدفق رقة ومحنة ومحبة. ظل مثالاً نادراً للمبدع الراقي الوقور، بهي الطلة، أنيق الهندام، نقي الدواخل، مرتب في كل تعاملاته مع الآخرين. كان اجتماعياً من الدرجة الأولى، تجده متقدم الحضور في الأفراح والأتراح، كان مولعاً بالتواصل ويحب الونسة للحد البعيد (وناس وحكّاي)، ولذلك كنت دائماً ما أتشوق لمجالسته ومؤانسته كلما جمعتنا ملمات الفعاليات الثقافية الإبداعية، ودعوات السفارات والهيئات الدبلوماسية التي كانت تزين ليالي الخرطوم، وكان إذا سبقني بالحضور جلست إليه، وإن سبقته أطلب منه يشرفني بالجلوس إلى جانبي.
أضف إلى ذلك، كان كثير التردد على (شارع الجرائد)، ويحرص على زيارتنا بصحيفة (المجهر). نجلس بمكتبي نقضي لحظات شيقة من حوار ونقاش، ما شفنا فيه ملل، ولا طاف علينا نعاس، نتناول قضايا الساعة في الأوساط السياسية والإبداعية والاجتماعية.
آخر الكلام بس والسلام:
أخيراً وليس أخراً، نقول للراحل أبوشورة إن كل حدقات عيون الشعب السوداني لتدمع وقلوبهم لتحزن، وإنا لفراقك لمحزونون، ولكن عزاءنا أنك ستبقى خالداً في وجداننا وفي حدقات عيوننا، وستظل دائم الحضور بذاكرة الأمة كلما ترددت أعمالك الإبداعية المدهشة على مسامعنا، وكلما فتحت سيرة وذكرت مسيرة نجوم وطن النجوم عموم.
نم قرير العين في جنات عدن، ونعدك بأن السودان بلد الناس الحُنان مهما تكالب عليه وعلينا الأعداء، سيظل في مسكنه الخاص
بمسامات الحواس، وفي مقره إقامته بـ(حدق العيون).
حدّق العيون ليك يا وطن
أصبح مقر أصبح سكن