من غير ميعاد الحكمة أجمل في الحقيقة بلا انتظار
ولألوان كلمة
حسين خوجلي
من غير ميعاد الحكمة أجمل في الحقيقة بلا انتظار
إنهم لا يستحون
البيان الشهير الذي وقّع عام 2004 في أريتريا تحت مسمى مقررات أسمرا الذي بصمت عليه أحزاب المعارضة التي والت قرنق وهي: الحزب الاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة والحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان وتجمع الأحزاب الأفريقية السودانية والحزب الشيوعي السوداني وقوات التحالف السودانية والنقابات السودانية كان أول بند تصدر البيان: تأكيد مبدأ حق تقرير المصير كحق أصيل وأساسي وديمقراطي للشعوب وأن مواطني جنوب السودان (بحدوده المعتمدة في 1 يناير 1956) لهم الحق في ممارسة حق تقرير المصير قبيل نهاية المدة الانتقالية.
وجاءت نيفاشا تصديقا لكل ما قالوا وبصموا عليه، وجاؤوا في معية قرنق والحركة الشعبية مطأطئي الرؤوس وموافقين على كل الذي حدث، دخلوا برلمان نيفاشا من أقصى اليمين وأقصى اليسار وأدوا القسم أمام البشير انصياعاً للإنقاذ ونيفاشا ولقرنق وبصموا على دستور 2005 ووافقوا على قانون الأمن والمخابرات وتنعموا بالوظائف والرواتب والظهور والسياحة والأسفار.
وتمت عملية الاقتراع المشهود على حق تقرير المصير الذي أوصوا به واختار الشعب الجنوبي الانفصال بنسبة 98 % وشهد العالم على نزاهة العملية وارتضى الشعب السوداني في حزن ورضى ما اختاره أبناء الجنوب.
ورغم ذلك فكلما أطل هؤلاء العملاء من موظفي الأجنبي وجبهة العلمانية العالمية هذه الأيام على القنوات والصحف والمؤتمرات إلا ادعوا في صفاقة أن الحركة الإسلامية هي التي فصلت الجنوب. ولا أجد عبارة أصدق تعليقا على مزاعمهم وإصرارهم على تزييف التاريخ إلا عبارة أنهم قوم يكذبون في صدق وأنهم لا يستحون.!
ويتوالى رحيل النوارس
عاش عبد القادر سالم ابن السودان الواحد بأخلاق المعلم ونداوة الفنان. كانت جغرافيا قلبه الكبير تسع كل السودان والسودانيين وكان فؤاده حقلاً يضج بالأسمار والأشجار والأزهار والأطفال والبراءة والينابيع.
ويبدو أن هذا القلب المترع بكل فضائل الخير والسماحة والجمال لم يحتمل المأساة، التي كسرت قلب كردفان الكبير، وحطّمت كبرياء السودان، ذلك البلد الطيب المعتدل المعافى، الذي أحبه عبد القادر وعاش له نغماً وفكراً وقدوة.
رحل عبد القادر بزهده المعهود، وأخلاقه الفيّاضة بمعاني السمو والصداقة. كان جسرا للتواصل لكل أبناء السودان غرباً وشرقاً، شمالاً وجنوباً. رحل عبد القادر سالم وفي مشاعر السودانيين (قدريشنة) و(ليمون بارا) و(مكتول هواك يا كردفان.. مكتول هواك انا من زمان) والفارق كبير يا عبد القادر بين مقاتل العشاق ومقاتل المرتزقة والأوغاد.
رعى الله أم درمان وشاطئ أبوروف الجميل
في إحدى منتديات الأستاذ فراج الطيب الأديب واللغوي والشاعر الذي واصل بدأب وحب منتدي والده الشهيد الشيخ الطيب السراج ، وكانت ندوة للعلم والتدارس والأدب والشعر والفكر والمؤآنسة، ومن غير العلم والدين والفكر والمدارسة فقد كان الأستاذ فراج الطيب يغدق على الناس كرماً بوجبات وخدمات تبدأ من فطور الجمعة وتنتهي آخر الليل ،وكانت زوجته وصنو روحه السيدة الفضلى إنعام بت النحاس وأبناءها الكرام الطيب الكاتب والصحفي والسفير العالم رشاد ورجل الأعمال المهذب محمد والمهندس الوسيم القسيم عزالدين وصهره المهندس علي طه رجل الأعمال الكريم ورجل البر والإحسان وأشراف الأمور وكريماته العفيفات الحرائر الصالحات يشرفون على ضيوفهم طيلة اليوم بخدمات تتجاوز خدمات الهيلتون والجراند هوليدي فيلا، كنت أقول للشاعر عتيق من أين لفراج كل هذه السعة والسخاء فكان يرد على ضاحكاً: إنها بركة الأدب وحالة فراج هي من ألغت القول الشهير (لا يجمع الله بين الشعر والمال) فاني أشهد أن رأس مال الأستاذ الشاعر الراحل الطيب الصالح كان صحبة الأخيار من أبناء بلادي.
تعرفت في مجلسه العامر على الوزير والشاعر دفع الله الحاج يوسف والدكتور مالك حسين والدكتور محمد يحي الشرفي الوزير اليماني ورئيس البرلمان والأستاذ عزالدين السيد والشاعر مصطفى سند ومحي الدين فارس وعبدالله النجيب وخالد أبو الروس والشاعر الفذ محمد بشير عتيق وشاعر العمال حسن مدثر ومهدي محمد سعيد واللواء الشاعر أبوقرون عبدالله أبو قرون وأبناء الكتيابي عبدالقادر وصديق المجتبى والناقد اليساري المايوي لطيف المعشر الراحل سامي سالم وكان شيخ الندوة وحكيمها الأستاذ الشاعر عبدالله الشيخ البشير ،وكان يرتادها الشعراء قبل أن تشغلهم السياسية الشاعر أمين حسن عمر وسيد الخطيب والشاعر أبوبكر يس الشنقيطي والأديب والنقاد المشاكس وصانع المعارك ودالبدوي رد الله غربته من لندن الضباب وآخرون كثر ، وأرجو أن تتاح لنا فرصة لتقديم سباعية في قناة أم درمان أو إذاعة المساء أو صفحات ألوان تحت عنوان ( في بيت فراج الطيب السراج كانت لنا أيام ) وإني أشهد بأن كل واحد من هؤلاء كان علماً قائماً بذاته وأسفاراً وتجارب حين تتاح لهم الفرصة في الإبتدار أو المناقشة وكان أغلبهم أهل حفظ واحتفاظ ودعابة وسخرية غير جارحة، وقبل الهواتف النقالة كنت أحتفظ بأجندة أسجل فيها بعض العناوين والموضوعات حتى لا تفلت وبعض القصص والحكايات حيث أرجع لها في مواقعها من الكتب والمراجع حتى أوثقها فالفارق كبير بين الأدب المقال والأدب الموثق المكتوب ومن القصص التي مازالت في ذاكرتي القصة التي حكها المسرحي والمعلم والشاعر خالد أبو الروس والتي كان عنوانها (حتى السفهاء كانوا فقهاء) واستدل بالمرافعة الشهيرة للخليفة الشاعر الأديب هارون الرشيد والمرافعة المضادة للحسن ابن هاني أبو نواس حين اتهم بالزندقة وصدر عليه الحكم بالإعدام كان أبو الروس عليه الرحمة يرويها بطريقته الدرامية وبلغة عربية فصيحة كأنما كان يقرأ من كتاب.
سقي الله غيثاً تلك الأيام الحبيبات ورعى الله أم درمان وذلك البيت المهيب المطل على شاطئ أبوروف الجميل، تقول القصة:
أن هارون الرشيد أمر بقتل أبي نواس فقال: أتقتلني شهوةً لقتلي؟ فقال: لا، بل أنت مستحق للقتل
قال: فيم استحقيت القتل؟ قال: بقولك:
ألا فاسقني خمراً وقل لي هي الخمر
ولا تسقني سراً إذا أمكن الجهر
فقال: يا أمير المؤمنين، أفتعلم أنه سقاني وشربت؟ فقال له أمير المؤمنين: أظن ذلك.
فقال: يا أمير المؤمنين، أفتقتلني على الظن، وقد قال الله تعالى: {إن بعض الظن إثم}
فقال له الرشيد: قد قلت ما تستحق به القتل
فقال: ما هو؟ فقال له: قولك.
ما جاءنا أحدٌ يخبر أنه
في جنةٍ من ماتَ أو في نار
فقال له: يا أمير المؤمنين! هل جاءنا أحدٌ؟ قال: لا
قال: أتقتلني على الصدق؟ فقال له الرشيد: أولست القائل:
يا أحمدُ المرتجى في كل نائبة
قم سيدي نعص جبار السموات
فقال له: يا أمير المؤمنين! أوصار القول فعلاً؟ قال: لا أعلم.
قال: أفتقتلني على ما لم تعلم.
فقال له أمير المؤمنين: دع هذا كله، فقد اعترفت في مواضع كثيرة من شعرك بالزنا
قال أبو نواس: قد علم الله هذا قبل علم أمير المؤمنين بقوله تعالى: {والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون} فقال الرشيد: خلوا عنه.
ومن هذا أخذ الصفي الحلي فقال:
نحن الألى جاء الكتاب مخبراً
بعفاف أنفسنا وفسق الألسن
العقاب رغم أنف الأسباب
وهذه مرافعة أخرى نهديها للمختلسين والمحامين المدافعين عنهم ولا نبتغي من وراءها أجراً قيل :
أنه اختلس أحد الموظفين فاستجوبه الوالي قائلاً:
ياعدو الله أكلت مال الله؟
فرد عليه: فمال ما آكل من مال الله؟ والله لقد راودت إبليس أن يعطيني فِلساً واحداً فما فعل..
حتى للبخلاء مرافعة
كان الجاحظ الظريف الموثق الكاتب الذي حفظ للعربية أَلَقَها في الروي والتوثيق ما فاخَر به أهل القدح والمدح وجعل لكل واحد منهم دريئة من قول يدافع به عن نفسه ومن أصابه القبح والمذمة وفي كتابه البخلاء حكى عن فلسفة بخيل أمام حجة سخي كريم قوله:
سألت الحزامي :هل يسرك ان يقال لك بخيل؟
فقال: لا أعدمني الله هذا الإسم. قلت: وكيف؟ قال: لا يقال لي بخيل، إلا وأنا ذو مال، فسلم إليّ المال، وسمني بأيّ اسم شئت. فقلت له : ولا يقال لك سخيّ، إلا وانت ذو مال، وقد جمع الله لاسم السخاء والمال الحمد ، وجمع لاسم البخل المال والذم.
فرد الحزامي:
بينهما بون بعيد وفرق عظيم فإن في قولك عني بخيل إبقاء للمال في ملكي، وفي قولك عني سخي خروجاً للمال من ملكي، والمال ناضّ نافع لأهله والحمد رياء وسمعة وسخرية وما يغني الحمد عنه إذا جاع بطنه وعري ظهره وضاع عياله وشمت به عدوه.
عزيزي القارئ إنا نريدها من سبيل المزاح والغرابة فلا يحدث أحد منكم باقتدائها والله على ما أقول شهيد.
التزيد في المباحات مذمة
كان الغزالي يعد التزيد والتزود في التنعم والبطر هو بعض من الدنيا المذمومة والرجل لم يمنع ولكنه امر بالزهد والإقتصاد في الملاذ وذم الإسراف حتى في الحلال الموشى بالترف وله قول شهير في إحياء علوم الدين في هذا الباب حيث قال قدس الله سره:
الدنيا المذمومة هي التلذذ بالمعاصي كلها، والتنعم بالمباحات الزائدة على قدر الحاجات والضرورات الداخلة في جملة الرفاهية والرعونات كالتنعم بالقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث والولدان والجواري والمواشي والقصور والدور ورفيع الثياب ولذائذ الأطعمة.
تبرير مثير للجدل
من في هذه الدنيا لم يتعرض لضيق اليد وإحجام أهل العطاء عن البذل ومن منا لم يذق رد حاجته رغم أنه حدث نفسه طويلاً (بالعشم) من الذين لا يقدرون قسوة الأيام وبؤس الليالي وقد إختصرها أحد المتصوفه في هذه المقولة الذكية الفاضحة ( لا خير فيمن لم يذق ذل المكاسب وذل السؤال وذل الرد) .
هذه الدنيا
كل الأحياء في هذه الدنيا موتى وأبناء موتى وأحفاد موتي وإن تكاثرت عليهم الدنيا مالاً وقصوراً وفرحاً فكل هذا منقوص لو تذكرنا أننا سنعود إلى التراب ويمضي عنا الأحبة والأقارب وتدور الأيام وينسى الناس (المرحوم) ومن العبر التي تهتف في وجهنا غير آيات القرآن والحديث الشريف في معني الإعتبار والتدبر هتاف العارف:
ﺩﻯ ﺍﻟﻐﺪﺍﺭﺓ ﺩﻯ ﺍﻟﺤﻘﺎﺭﺓ ﺩﻯ ﺍﻟﻌﻘﺎﺭﺓ
ﻛﻢ ﻗﻠﺒﺖ ﺯﻏﺎﺭﻳﺪ ﻋﺮﺳﻪ ﺑﻲ ﻧﻘﺎﺭﺓ
ﺃﻋﻠِﻨﺎ ﺑﺎﻟﺤﺮﺏ ﻗﺒﺎﻝ ﺗﺸﺐ ﺍﻟﻐﺎﺭﺓ
ﻭﻗﺒﻞ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺗﻐﺮﻏﺮ ﻭﺗﺒﻘﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺮﻏﺎﺭﺓ
ﺗﻐﺸﻴﻨﺎ ﺑﻲ ﺣﺒﻚ ﻟﺒﺴﻨﺎ ﻋﺒﺎﻳﺔ
ﻳﺎ ﻣﻮﻳﺔ ﺍﻟﺮﻫﺎﺏ ﺍﻟﻤﺎ ﻣﻠﺖ ﻛﺒﺎﻳﺔ
ﻋﺠﻴﺐ ﻳﺎ ﺩﻧﻴﺎ ﺃﻣﺮﻙ إﻻ ﻧﺤﻨﺎ ﻏﺒﺎﻳﺔ
ﻋﺎﺷﻘﻴﻦ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻓﻲ ﻟﻤﻌﺔ ﺍﻟﺤﺮﺑﺎﻳﺔ
يا سامع دبيب النمله جوف العاتمة
يا كاشف الخفايا الفي الضمائر كاتمه
بي جاه سيد الرسل الكرام أبو فاطمة
لطفك بي عكير يوم الدفن والخاتمة