بشارة سليمان: لا يمكن إقصاء الإسلاميين

ألوان في حوار الشفافية والوضوح مع مستشار رئيس حركة العدل والمساواة بشارة سليمان نور (2):
لا مستقبل للمعارضة بعد الحرب ويجب محاسبة كل من أجرم
المؤسسة العسكرية أمامها تحدي تسليم السلطة بعد الحرب
تحالف “تقدم” لا مستقبل له ولا مكان لهم في المشهد السياسي السوداني
لا مجال لتعدد الجيوش في السودان والقوات المسلحة هي الجيش الوطني الوحيد
الإسلاميون قاتلوا إلى جانب الجيش وهم جزء من السودان ولا يمكن إقصاؤهم
حوار: خضر مسعود
سياسي من الطراز الفريد، يقول الحق ولو على نفسه، وكان له تأثير واضح خلال الحرب الدائرة في السودان. الأستاذ بشارة سليمان نور عبد الرحمن، مستشار رئيس حركة العدل والمساواة بقيادة الدكتور جبريل إبراهيم، كان أول من أعلن وقوفه إلى جانب الجيش السوداني في حربه ضد مليشيا الدعم السريع. كما لم يتردد في انتقاد موقف الحركة المحايد في بداية الحرب، مؤكداً رفضه لأي حياد في قضايا الوطن، وهو قيادي وحدوي من الطراز الأول وصاحب معلومات عميقة حول مدار السياسية السودانية داخلياً وخارجياً. بشارة سليمان رجل ذو دراية عميقة بتعقيدات الجوار الإفريقي الغربي وتأثيره على مجريات الحرب، مما جعله شاهداً على الأحداث منذ بداياتها. في هذا الحوار مع صحيفة “ألوان”، يكشف بشارة سليمان عن رؤيته للحرب، تفاصيل ما قبل اندلاعها، وتحليل لمجريات الأحداث.
× دول الجوار، كيف ترى أدوارها في الحرب الحالية؟
+ واحدة من المشاكل الحقيقية في هذه الحرب هي دعم التمرد من مجموعات في دول الجوار. فمثلًا، العدد الكبير من الجنوبيين الذين دعموا التمرد في السودان كانوا في الأصل معارضين لحكومة سلفاكير، وهم الآن يشاركون في القتال، لكنهم سيعودون إلى الجنوب، حيث يعانون من نقص الموارد؛ فلا غذاء ولا مال، مما قد يشكل خطرًا كبيرًا على حكومة سلفاكير، وقد يؤدي إلى اندلاع حرب هناك. خاصة بعد ظهور أصوات نشاز، مثل تعبان دينق، الذي أعلن أن أبيي منطقة جنوب سودانية، وهو استغلال رخيص للأوضاع الملتهبة في السودان. لكن تم إيقافه، وليعلم الجميع أن مشروع ضم أبيي للجنوب هو مشروع الدعم السريع، وسيكون نقطة خلاف كبيرة بين الدعم السريع وأبناء المسيرية.
× هناك خلافات كبيرة بدأت تظهر للعلن بين قبيلة الماهرية والقبائل الأخرى في الدعم السريع، وإرهاصات مقتل “جلحة” خير دليل، فهل نشهد مزيدًا من الانقسامات؟
+ طبعًا، الغدر والخيانة من سمات عرب الشتات المعروفة في المنطقة، وأي شخص يختلف معهم يتم قتله في أقل شيء. أنا أعتقد أن المسيرية وبعضًا من الحوازمة انتبهوا لما يجري. فمثلًا، في ولاية غرب كردفان، وهي ولاية منتجة تحتوي على النفط، كانوا يحصلون على نسبتهم من البترول لتأهيل مدارسهم ومستشفياتهم والخدمات الأخرى، لكن كل ذلك توقف الآن. وهم أدركوا ذلك، وقرروا الخروج من الدعم السريع، لكن متى يعلنون ذلك؟ لا أعلم. ومع ذلك، لن يكون هناك وجود للدعم السريع في غرب كردفان، وسيحدث ذلك قريبًا.
إحدى المشاكل في هذه الحرب أن أغلب “الشفشافين” في الدعم السريع من تلك المناطق باعتبارهم متعاونين، وهم قوة بشرية كبيرة، وكان دعمهم للمليشيا سببًا في إطالة أمد الحرب.
× كيف تنظر إلى مستقبل المعارضة (تقدم وغيرها) في السودان ما بعد الحرب؟
+ أولًا، مجموعة عملاء السفارات والخونة ليس لديهم أي قيمة، ومن وجهة نظري، لا وجود لهم في البلاد، وأي شخص يعمل كعميل للدول الأخرى من أجل التدخل في الشأن السوداني، فهذا أمر مرفوض تمامًا.
ثانيًا، هناك من ارتكب جرائم علنًا، وهؤلاء الفيصل بينهم وبين الشعب هو المحاكم. أما أي مواطن سوداني معارض لا يريد الجيش، لكنه يؤمن بالحرية والديمقراطية، فمن حقه أن يمارس حقوقه المدنية والسياسية. وأنا أؤمن إيمانًا قاطعًا بأن أي بلد بلا حريات وديمقراطية لن يتقدم شبرًا إلى الأمام. وأعتقد أننا نحتاج إلى فترة انتقالية معقولة، وبعدها يتجه الجميع إلى انتخابات حرة، والمعيار فيها هو صندوق الاقتراع. هناك مجموعات تنادي بعدم حكم العسكر، ونحن وقفنا مع العسكر في هذه الحرب، ودعمناهم وقاتلنا معهم. ولكن بمجرد انتهاء الحرب، والانتقال إلى مرحلة الحقوق والواجبات، يجب أن نتناقش حول كيفية حكم البلاد وضمان الحقوق والحريات. حينها، ستعلم كل جهة ما لها وما عليها. لكن الآن، لا يمكن أن نقول للعسكر “عودوا إلى الثكنات”، إذ نحتاج إلى فترة انتقالية معقولة ينظم فيها الجميع أنفسهم، ثم نذهب إلى الانتخابات.
× في كثير من التصريحات، يؤكد رئيس مجلس السيادة أن العسكر لن يستمروا في الحكم، فهل تلمست جدية في هذا الأمر؟
+ أرجو أن يكونوا جادين في ذلك. أنا كثيرًا ما خرجت للعلن وانتقدت القرارات والمواقف السياسية للحكومة، وآرائي واضحة في كثير من القضايا. ولكن في العمل العسكري، أنا داعم للجيش، وتقديرات الحرب، مثل متى يهاجمون أو يحررون منطقة معينة، متروكة للجيش وقيادته والقوة المحاربة معهم في الميدان. نحن ندعم الجيش، لكن في العمل العام السوداني والجوانب السياسية، مواقفنا واضحة، ولا نجامل فيها أحدًا.
× كيف تحلل وضع “تقدم” بعد الانشقاق، خاصة المجموعة الرافضة لتشكيل حكومة منفى؟
+ كلهم لا قيمة لهم. وأي مواطن سوداني يرى أنه صاحب حق، فليأتِ إلى السودان. هناك أفراد في “تقدم” ارتكبوا جرائم في حق الشعب السوداني، وأصروا على دعم الاتفاق الإطاري رغم الحرب، وهؤلاء يجب أن يحاسبوا على مواقفهم.
أيضًا، هناك اتهامات لأعضاء لجنة التمكين بالفساد، والجميع يذكر المقدم سليمان عبد الله الذي خرج للعلن ووجه اتهامات للواثق البرير، حيث قام الأخير بتجنيد مجموعة من شباب حزب الأمة، وسلمهم لاستخبارات الدعم السريع، ليستخدموهم كمرشدين للإبلاغ عن العسكريين والمعايشين لاعتقالهم. وهذا عمل يجب أن يحاسب عليه. والسؤال هو: هل يملك الواثق البرير الجرأة لمواجهة الشعب السوداني بعد ما فعله؟
× حزب الأمة حزب كبير وله تاريخه، وهناك قيادات في الحزب دعمت الجيش في حربه ضد المليشيا، ومواقفهم واضحة، مثل الفريق صديق، والأمير الفريق عبد الرحمن الصادق المهدي، وإسماعيل كتر، فكيف ترى وضع الحزب الآن؟
+ هذه القيادات اتخذت مواقف واضحة في دعم الجيش. لكن لا يمكن تجاوز ما قام به بعض أعضاء وشباب حزب الأمة في الأزمة الحالية، خاصة في ولاية الجزيرة، حيث انخرط جزء كبير منهم في الدعم السريع، وكانوا الحاضنة السياسية له في الجزيرة وسنار وأم درمان. أما المشاتر خالد سلك، فهو بلا قيمة سياسية، وإذا كان يعتقد أنه سياسي ومواطن سوداني له حقوق، فعليه أن يعود إلى السودان.
وباختصار، أي شخص ارتكب جريمة في حق الشعب السوداني يجب أن يحاكم أولًا أمام القضاء السوداني.
× موقع حركات الكفاح المسلح بعد انتهاء الحرب وتنفيذ الترتيبات الأمنية؟
+ نحن في حركة العدل والمساواة، ومعظم الحركات التي وقّعت على سلام جوبا، كنا نحارب الدولة من أجل قضايا ومعايير موضوعية. وبالنسبة لنا، هناك معيار معروف للانضمام إلى الجندية السودانية، وهو التعليم واللياقة البدنية. في السابق، كانت الكلية الحربية ترفض قبول بعض أبناء القبائل الحدودية وفق معايير غير منطقية، لكن كل ذلك سقط وتجاوزه الزمن. السودان دولة مستقلة منذ 1956، وهذه هي الحقيقة التي لا يمكن أن ينكرها أحد، لكن الجنجويد والموتورون من السياسيين يتاجرون بمفهوم “دولة 56”. اليوم، معايير القبول في الكلية الحربية واضحة؛ تعتمد على نسبة الشهادة السودانية واللياقة البدنية، كما أن جميع الوظائف والثروات السودانية يجب أن تكون متاحة بالتساوي للجميع، فلا تفاضل بين المواطنين.
أما اتفاق جوبا، فقد تم التوقيع عليه بحضور الشعب السوداني، وهناك التزامات واضحة فيه. صحيح أن بعض بنوده تجاوزها الزمن، لكنني، كمواطن سوداني، متساوٍ مع الجميع في الحقوق والواجبات. نعم، هناك تمييز إيجابي لبعض المناطق التي عانت في السابق، فمثلًا هناك 175 سفيرًا للسودان، بينما سكان دارفور يمثلون 25% من مجموع السكان، ومع ذلك لديهم سفير واحد فقط! لذلك، طالبنا بالمساواة في الوظائف المهمة في الدولة، مع بعض التمييز الإيجابي حتى لا يضطر الناس لحمل السلاح مرة أخرى.
أما بخصوص تعدد الجيوش، فنحن لا نؤمن بوجود أي جيش خارج القوات المسلحة السودانية. لا نريد مستقبلًا أي قوات خارج الجيش الوطني، سواء كانت حركة العدل والمساواة أو حركة تحرير السودان، وحتى عبد الواحد والحلو يجب أن ينخرطوا في جيش موحد. يجب أن يكون هناك جيش واحد فقط هو الذي يتحكم في السلاح، إلى جانب القوات النظامية الأخرى. لا يمكن أن تُحكم دولة فيها أكثر من عشرة جيوش!.
× مستقبل حكم السودان في ظل اللا مركزية أو الفدرالية؟
+ النظام الفيدرالي يمنح جميع المواطنين حقوقهم، وربما نحتاج إلى التدرج في تطبيقه. هناك حجة يطرحها البعض بأن توسيع الظل الإداري بزيادة عدد الولايات والمحليات والوحدات الإدارية يؤدي إلى إنفاق كبير ويخصم من ميزانية التنمية. لكن السودان دولة غنية، وعلينا إعادة تنظيم صفوفنا لبناء البلد. لا يهم من يحكم السودان، بل المهم هو كيف يُحكم السودان.
لابد من حوار سوداني – سوداني، وأعتقد أن واحدة من الأخطاء التي أضرت بالبلاد هي سياسة الإقصاء. عندما حكم الإسلاميون، أقصوا الآخرين، والآن هناك قطاع كبير يرفض وجود الإسلاميين ويعارضهم بشدة. لكنني شاهد عيان على الدور الذي لعبه الإسلاميون الذين كانوا في السلطة سابقًا في هذه الحرب، وكيف أنهم وقفوا في خندق واحد مع الجيش وساهموا بوضوح في انتصاراته.
أرى أن على الإسلاميين إجراء مراجعات لتجربتهم. فقد حكموا السودان لمدة 30 عامًا، ثم تمت إزاحتهم، لكنهم يظلون مواطنين سودانيين لهم حقوق وواجبات. عليهم مراجعة تجربتهم السابقة، وعدم العودة بنفس تنظيم المؤتمر الوطني، بل تأسيس حزب جديد. لا ينبغي أن يكون هناك عزل سياسي لأي طرف في المرحلة المقبلة، باستثناء المؤتمر الوطني، فقد انتهى زمنه.
الإسلاميون لديهم وجود فعلي في السودان، وكما أنهم مواطنون، فمن حقهم أن يكونوا فاعلين في المرحلة المقبلة بعد الفترة الانتقالية.
× الحديث عن تأجيج الإسلاميين للحرب من أجل العودة إلى السلطة؟
+ أنا غير مقتنع بهذه الفكرة. نعم، الإسلاميون كانوا معارضين للدعم السريع، وكل الشعب السوداني يدرك أن سلوك الدعم السريع كان يؤدي إلى الحرب. الدعم السريع مجموعة عسكرية كبيرة تمتلك السلاح، لكنها مجرد أداة استُخدمت من قبل المؤتمر الوطني في السابق لمحاربة الحركات المسلحة، وهي الآن أداة في يد دول إقليمية للسيطرة على السودان.
القول بأن الإسلاميين هم من أشعلوا الحرب حتى يعودوا للسلطة غير صحيح، لأنهم لا مصلحة لهم في تدمير البلاد. لكن عندما اشتدت الأزمة، ظهروا ووقفوا مع الدولة ومع الجيش، ودعموا وحدة السودان.
هناك أفراد منهم ارتكبوا جرائم، وهؤلاء يجب أن يقدموا لمحاكمات عادلة. الإسلاميون، مثل غيرهم، مواطنون سودانيون، وإذا ارتكب أي شخص جريمة، فيجب أن يحاسب عليها، حتى لو كنت أنا المعني بذلك، فلا كبير على القانون. لكننا نرفض أي محاولات لإقصائهم من الحياة السياسية. لا يستطيع أحد أن يجردهم من حقوقهم الدستورية والسياسية والمدنية. من حقهم تشكيل أحزاب وإجراء مراجعات فكرية، وهذا أمر متروك لهم. لكن لا أحد يملك الحق في حرمانهم من المشاركة في الحياة السياسية.
نواصل.