السودان .. عامان من الحرب

أكبر موجة نزوح في العالم

السودان .. عامان من الحرب

أمدرمان: الهضيبي يس

تدخل الحرب في السودان عامها الثالث، منذ اندلاع حرب شرسة بين الجيش ومليشيا الدعم السريع، في 15 أبريل من العام 2023، مخلفة وراءها أزمات لا تُحصى من الضحايا وتدمير البنى التحتية وقصصا لا تنتهي من الألم، فضلا عن نزوح أكثر من ثلث سكان البلاد فيما يعد الأكبر في العالم حسب تصنيف الأمم المتحدة. وفي 26 مارس الماضي، هبطت طائرة رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في مطار الخرطوم الدولي، الذي كانت تسيطر عليه مليشيا الدعم السريع وتستخدمه قاعدة عسكرية وبالتوازي مع ذلك، تمكنت قوات الجيش من استعادة القصر الرئاسي بالخرطوم الذي ظل لنحو عامين خاضعا السيطرة مليشيا الدعم السريع.

 

وبعد فقدانها مواقعها الإستراتيجية في العاصمة، اندفعت مليشيا الدعم السريع نحو تصعيد هجماتها على مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور وارتكبت السبت الماضي “مجزرة” راح ضحيتها أكثر من 320 شخصا بين قتيل وجريح، حسب “منسقية مقاومة الفاشر”. وأمام هذه التطورات المتلاحقة في سير المعارك ميدانيا، أجمع محللون سياسيون وعسكريون على أن هذه التطورات تمثل خطوات مهمة في مجريات الحرب، لكنها ليست بالضرورة كافية لإنهاء المعارك ووضع حد لها.

ووسط خطورة استمرار مليشيا الدعم السريع في اللجوء لسلاح المسيّرات، تكمن الخطورة في أنها تنطلق من قواعد خارج البلاد، وعدم وجود أنظمة حماية في المواقع الإستراتيجية للدولة كالمطارات والمواقع العسكرية ومحطات الكهرباء.
كذلك دعا مجموعة من المراقبين إلى ضرورة امتلاك الجيش منظومة للدفاع الجوي ضد هذه المسيرات تضم رادارات لكشف الأهداف ومنظومة صواريخ قادرة على التعامل مع سلاح المسيرات.
ورغم التقدم الكبير الذي أحرزه الجيش على مدى العامين الماضيين، وسيطرته على أغلب مناطق وسط البلاد، فإن المحللين يعودون إلى استدراك يفيد بأن مشهد الحرب في السودان معقد وتتشابك فيه صراعات الداخل وأجندات الخارج.
ويذكر هنا الكاتب والمحلل السياسي ضياء الدين بلال أن هذه الحرب معقدة، ولا تتوقف عند كونها حربا محلية بين مكونين يتصارعان على السلطة أو موارد الدولة، ويسوق أسبابا لذلك، منها، سيما وان – هذه الحرب ممولة ومدعومة من قبل طرف إقليمي له وزن اقتصادي وتأثير سياسي ودبلوماسي واسع إقليميا ودوليا. إضافة الى دخول أعداد كبيرة من المرتزقة من دول مختلفة للمشاركة في الحرب.
ثالثا- لم تعد أهداف الحرب وأجندتها محلية، بل أصبحت عابرة للحدود.
و يعود بلال ويشير إلى فشل المشروع الأساسي الذي قامت عليه الحرب من قبل قوات الدعم السريع وهو السيطرة على السلطة وإلقاء القبض على قادة الجيش، “فقد فشل هذا المشروع منذ الأيام الأولى عندما لم تستطع المليشيا تحقيق ذلك”.
ويذهب المحلل العسكري اللواء ركن أسامة عبد السلام يقول “إن الحرب لم تنته بكل المقاييس، وما زال على الجيش فرض سيطرته على كل إقليم دارفور، والعمل على حرمان الدعم السريع من أي أوراق تفاوضية تجعلها تفرض رؤيتها على مستقبل السودان”.
لكن التطورات الميدانية وسط السودان تعد مهمة في سير المعارك، ومع ذلك يرى رئيس تحرير صحيفة الأحداث السودانية عادل الباز أنها ليست كافية لإنهاء المعارك ووضع حد للحرب، ويرجع ذلك إلى الإمدادات الخارجية غير المحدودة لمليشيا الدعم السريع من دول إقليمية أو مجاورة.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي مزمل أبو القاسم إنه “لا مستقبل سياسيا ولا عسكريا لمليشيات الدعم السريع في السودان”، وإن “الأولوية عند السودانيين محصورة في طرد المليشيا واستتباب الأمن والحصول على الحد الأدنى من سبل العيش الكريم، وذلك يفسر لنا السند الشعبي المهول والإجماع الواسع الذي يتمتع به الجيش السوداني حاليا، كما يوضح سبب احتفاء معظم السودانيين بانتصارات الجيش في الحرب الحالية”.

لكن دخان المعارك المتصاعد حتى الآن في سماء السودان يؤثر على الرؤية السياسية لمستقبل البلاد عند عادل الباز، إذ إن الوضع السياسي في السودان تحدده نتائج الحرب، وبعدها ستُرسى قواعد جديدة للعبة السياسية، وانتصار الجيش يعني أن القوى التي اصطفت معه ستكون صاحبة الحظ الأوفر في تشكيل المشهد السياسي، وقد يحصل الدعم السريع على بعض المكاسب نتيجة مفاوضات تتم تحت ضغط دولي.

وفكرة عدم الحسم في المستقبل السياسي للبلاد يراها الخبير في العلاقات الدولية والشؤون الأمنية والعسكرية عامر حسن الحلقة الأضعف في المستقبل القريب، “لأن الرؤية السياسية حتى للحكومة ليست حاسمة، فهي تحاول أن تجد مقاربة لإنهاء الحرب بالحسم العسكري مع إيجاد توافق حول وجودها”.

حيث لم تعدم قوات الدعم السريع أيضا أن تجد لنفسها مكانا في مستقبل الخريطة السياسية للبلاد، فقد كشفت منذ فترة عن تشكيلها حكومة موازية، لكن ضياء الدين بلال يقول إن هذا المشروع قوبل “بالرفض والاستهجان من قبل عدة جهات ومنها الاتحاد الأفريقي، حيث دعت اللجنة السياسية والأمنية للاتحاد الأفريقي لعدم الاعتراف بتكوين هذه الحكومة وكذلك عدد من الدول.