مدني مهدي سبيل .. رمز من رموز الشرطة السودانية

مدني مهدي سبيل .. رمز من رموز الشرطة السودانية

بقلم: صلاح الدين عبد الحفيظ

غياب التوثيق ومتابعة الانجازات المهنية لشخصيات كثيرة رحلت عن دنيانا زائدا مكارم صفاتها ونزاهتها وبذلها العرق والرهق لخير المواطنين والوطن هو السبب الرئيسي في عدم معرفة الكثيرين لها وهي تستحق تسليط الضوء عليها حتى يعلم الناس تاريخنا وشخصياتنا الفذة.
أحد هؤلاء هو ضابط البوليس مدني مهدي سبيل الذي تحدثت بسيرته صحائف التاريخ ومعاصريه.
وسبب جمع هذه المادة الوثائقية هو عثوري أثناء بحثي في الصحف القديمة بدار الوثائق على قضية تهريب الأموال والذهب إلى دولة مجاورة في نهاية الخمسينيات، زائدا نجاح تحقيقات البوليس في كشف عدد من الجرائم المقلقة في عقدي الخمسينيات والستينيات. ورد إسم ضابط البوليس آنذاك مدني مهدي سبيل، فبدأ بحثي عن تاريخه بواسطة معاصريه المرحومين الفريق عبد الوهاب إبراهيم وزير الداخلية في السبعينات والفريق عبد الله حسن سالم مدير عام الشرطة في السبعينات. كذلك
خرجت بحصيلة وافرة عنه، وكان أن نقصت شذرات حتى قيض الله لي لقاء ابنته أحلام وزيرة الاستثمار بعطبرة وهي تقود وزارة الاستثمار في ملتقى جامع فأمدتني بما نقص من سيرته الباذخة.

الميلاد والدراسة

بشرق دارفور وفي العام 1927م كان ميلاد مدني مهدي سبيل، فأدخل الخلوة لينال قسطا من علوم الدين قرآنا وفقها وبدايات الكتابة والقراءة، مما أهله ليتلقى تعليمه الأولي والأوسط بأمدرمان بمدارس الأحفاد ليتخرج ملتحقا بمدارس الثانوي بمصر بمنطقة الاسماعيلية.
حين عودته للسودان تقدم للإلتحاق بمدرسة البوليس قبل أن تصبح كلية البوليس بالدفعة 13 التي بدأت الدراسة في العام 1948م وتخرجت في مقتبل العام 1950م فكان أن عمل أولا بمنطقة الخرطوم وأقسام بوليس الخرطوم آنذاك. ومنها تم نقله لبوليس محافظة دارفور الكبرى وذلك بعد عام واحد من عمله بالخرطوم.
بدارفور عمل وبرفقة عدد من ضباط البوليس على تنظيم بوليس الهجانة
سجل الشرف. عمل كذلك كثاني مدير لبوليس السكة الحديد بعطبرة خلفا للمدير الأول يوسف أبو قرون خلال الفترة منذ العام 1957م حتي العام 1960م.

جانب من بذله في جهاز البوليس

في العام 1960م تكاثرت حالات المخالفات الجنائية تهريبا للأموال من قبل شخصيات تعمل بالتجارة بمشاركة أجانب مقيمين بالسودان، فكانت مخالفات أقلقت السلطات الأمنية فكونت رئاسة البوليس الضابط مدني سبيل بالعمل على ضبطها. ففي صحف ابريل من العام 1960م ثلاثة قضايا توصلت لها سلطات البوليس بمبالغ مالية ضخمة بمقاييس ذلك الزمان كان مدني سبيل صاحب اليد الطولي في كشفها والوصول لشبكة التهريب مما أكسبه ثناء واحترام قادة البوليس. ليأتي العام 1965م وفيه من حدة ذكاءه وعلو بصيرته ما كشف لأجهزة الأمن أمرا خطيرا وبالمصادفة البحتة لشخصه فقد لاحظ بعينه الفاحصة ثراء ودعة اثنين من موظفي وزارة المالية مع شراءهما لعربات جديدة وهما موظفان محدودا دخل ومال. فاكتشف حينها وهو مساعد مدير عام المباحث الجنائية تردد الموظفين على ملهى معلوم ولقيائهما بحسناء إيطالية تعمل في متجر بالسوق الأفرنجي. على الفور قام بتفتيش العربتين للموظفين ومنازلهما فكانت المفاجأة بوجود مكاتبات حكومية سرية خاصة بحسابات وزارة المالية مع وجود أسماء شركات وشخصيات وحساباتها البنكية مما يفسر تعاون الشخصيتين مع جهة ما، فكانت التحقيقات التي قادت لاكتشاف شبكة تجسس أجنبية بفضل ذكاءه وحدسه الأمني.

 

داخل العمل الإداري بجهاز البوليس

عمل سبيل في لجنة ترقية أوضاع البوليس في العام 1968م في اللجنة التي كونها آنذاك وزير الداخلية حسن عوض الله. ومن عجب أن الشخصيات التي تم ضبطها كانت تتربص به حتى أتت سلطة مايو 1969م فوجدت فرصة مواتية لإبعاده عن العمل فتم إحالته للمعاش وهو المتحفز للعمل بعنفوان وثقة فتأمل هداك الله للأخيار والأطهار من رجال الخدمة السودانية ومصيرهم مع المفسدين والفساد.

جانب العمل بعد الإحالة:

بعد إحالته للتقاعد بواسطة سلطات إنقلاب مايو 1969م إتجه نحو العمل الخاص فشرع في تأسيس مؤسسة سبيل للسياحة والحج إلا أنها لم تستمر بسبب العقبات التي وضعت أمامها ومضايقات سلطة الإنقلاب لها.
هاجر سبيل خارج البلاد وكانت وجهته دولة الإمارات العربية المتحدة حيث تم التعاقد معه بنفس رتبته التي تقاعد بها في السودان ليعمل قائداً للشرطة والأمن العام في إمارة أم القوين فكان من المؤسسين لها وإستمر في العمل بها حتى العام ١٩٧٦م حين قرر العودة والإستقرار بالسودان.
عمل سبيل بعد عودته لفترة من الزمان بشركة دارفور للنقل العام المحدودة. وفكر في تأسيس عمل خاص به فأنشأ أعمال سبيل التجارية للوازم البناء والإستيراد بالمنطقة الصناعية الخرطوم وإستمرت تعمل لعدة سنوات وقام أخيراً بتصفيتها بعد أن اقعده المرض عن إدارتها وذاك قبيل فترة من وفاته.

الأسرة والأبناء

متزوج من الأستاذة نفيسة ضو البيت عبد الدائم إبنة ناظر عموم قبائل شرق دارفور (القديم) وهي من الرعيل الأول من المعلمات في دارفور وأنجبت له:
الأبناء: أنور،
مهندس وصاحب شركة العنكبوت. محمد، مخلص جمركي مطار الخرطوم. اللواء شرطة (م) أحمد.
اللواء محاسب د. مامون (القوات المسلحة). الأستاذ خالد.
البنات: المرحومة إبتسام. الأستاذة أحلام وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي ووكيل الوزارة. العميد شرطة (م) سلمى (الجمارك). الأستاذة لبنى، أمين زكاة الشركات الإتحادية بديوان الزكاة.

وفاته

 

بتاريخ التاسع من يناير من العام 1986م رحل لدار البقاء شخصا متميزا في صفاته وسلوكه داخلا سجل عظماء السودان بجدارة كشخص جدير بالاحترام والذكر الحسن اسمه مدني مهدي سبيل مخلفا عاطر سيرة تستحق أن تدرس لأجيال رجال الأمن وموظفي الدولة.