إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حوار…)

مع إسحق

إسحق أحمد فضل الله

(حوار…)

 

على وزن شريدان ومسرحيته “مدرسة الفضائح” كانوا يصنعون المسرحيات.
وفي مسرحية هناك عجوز في دكان طيني منعزل، وفيه أغرب الأشياء. العجوز مثل كل الدكاكين؛ دكانه ليس فيه إلا برطمانات عليها الغبار، وما فيها هو… مسحوق الصدق، مسحوق الشجاعة، مسحوق البراعة، مسحوق الـ… مسحوق الـ… ومنها مسحوق يجعل صاحبه يرى ما في نفوس الناس.
وفي المسرحية أن كل من يشتري مساحيق الصدق والشجاعة والإخلاص… كلهم ما يلبث حتى يعود ويتوسل إلى العجوز أن يبيعه ما يشفيه من الصدق أو الشجاعة أو…
واحدهم يلمح زجاجة مكتوب عليها: المستقبل، ويسأل عنها. والعجوز يخبره أن من يأكل منها يستطيع رؤية ما سوف يقع في المستقبل. فيقفز ويطلب شراءها. والعجوز يهز رأسه رفضًا. وهذا يلح، والعجوز يجعله يأكل قطعة صغيرة من المسحوق هذا… ولحظات، والشاب يرى نفسه وهو في الأسبوع القادم يتوسل إلى العجوز لعلاجه من مسحوق رؤية المستقبل.
ونحن هنا نأكل من مسحوق رؤية المستقبل وننظر إلى السودان بعد عام، بعد عامين، بعد… وما نراه هو: نسخة مخيفة جدًا من “دعم سريع دولي” جديد. هيكله العظمى هو… الديانة الإبراهيمية. وعمارات شواهق… ومعابد ليس من الضروري معرفة الدين أو الرب المعبود فيها. وطبعات جديدة من جامعات جديدة. قاعاتها هي الشوارع… وطلابها هم كل من يستطيع أن يبتكر نوعًا جديدًا من الرقص… من الشهوات… من الأزياء أو أسلوب لعدم الأشياء. وشاشات ضخمة جدًا في كل زاوية تنشر هذا لمن يبتعد ومن يقترب. ونجوم جدد في كل رياضة، في كل سينما، في كل غناء، وفي كل ما يخاطب الحواس الخمس.
وبين الطرقات هذه تتدافع فرق هدم المساجد لأنّها تفسد الجمال، وجماعات مصادرة وحرق للكتب الإسلامية لأنّها تنتج متطرفين، وجماعات مطاردة “من بقى قوائم” جاهزة الآن… و… سودان جديد… غير عربي، وسودان غير مسلم… وسودان غير سوداني.
وهذا ما جرى التخطيط له منذ عشرين عامًا… وما ينفذ الآن… وما قطع شوطًا وأشواطًا في التنفيذ.
حتى منتصف التسعين كان هناك مصرف كذا “إسلامي”… محلات كذا “إسلامية”… مدارس كذا “إسلامية”… وبداية من عام الألفين كانت كلمة (إسلامي) تمسح بصمت تام من الأسماء… وبذور تُبذر، ومواقع الإنترنت تنطلق فيها أشياء تبدو عابرة، وطبول تضرب لحادثة “سروال” — سروال تخرج به فتاة في الخرطوم، وضياء وضجيج يصل لدرجة أن رئيس فرنسا يستقبل الفتاة باعتبارها مضطهدة. وزنا في الشارع قرب السفارة الصينية.
وقالوا إنها حادثة عابرة، وأن شابًا لقى فتاة مصادفة (ولم يقل أحد كيف كان وجود المصور هناك مصادفة، وكيف كان نشر الفيلم على الشبكة مصادفة). ثم فيلم عسكري وفتاة… ثم… ثم…
أخطر ما في هذه الأحداث أنها تعبر دون أن ينتبه لمعناها أحد؛ شيء مثل الغبار في غرفة مغلقة لسنوات، والغبار يغطّي ويغطّي. والأحداث هذه صنعت طريقًا لـ”قحت”. والقادم سوف يستخدم الأسلوب ذاته: أسلوب قحت المتسلل مثل الغبار، ثم أسلوب الدعم المسلح. وهذا وهذا هما ما يصنع الخرطوم القادمة… قريبًا.
ولا نطيل… لأننا نريد أن تبقى العيون هنا — العيون التي (من هسع) انطلقت إلى ما كانت عليه قبل النزوح.