الشمالية .. الملاذ الآمن لنازحي الفاشر

الشمالية .. الملاذ الآمن لنازحي الفاشر

 

تقرير: مجدي العجب

في قلب الشمال السوداني، حيث يمتزج عبق النيل بهدوء الأرض وكرم أهلها، تبرز الولاية الشمالية اليوم كملاذٍ آمنٍ يحتضن أبناء الفاشر الذين شردتهم نيران الحرب في دارفور ومآسي النزوح. بين خيامٍ أُقيمت على عجل وقلوبٍ مفتوحة بالمحبة، وجدت آلاف الأسر النازحة دفئًا طالما افتقدته في رحلة الهروب من جحيم المليشيات الإرهابية. وفي مشهدٍ يجسد التلاحم الوطني والتكافل الإنساني، وصل رئيس مجلس السيادة الانتقالي، القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، إلى مدينة الدبة، حيث تفقد مراكز إيواء النازحين، ووقف ميدانيًا على أوضاعهم والخدمات المقدمة لهم. وأكد البرهان اهتمام الدولة بمعالجة قضايا النازحين وتمكينهم من العيش الكريم، مبينًا أن الحكومة تضع قضية النازحين في سلم أولوياتها.

 

رسائل عميقة

ووجّه رئيس المجلس السيادي كل الأجهزة الحكومية المعنية بالشأن الاجتماعي بضرورة توفير الخدمات الضرورية للنازحين، والعمل على إزالة كل المعوقات التي تعترض ممارسة حياتهم الطبيعية، مشيرًا إلى المعاناة والانتهاكات التي تعرضوا لها من قبل المليشيا الإرهابية في الفاشر.
وقال مراقبون أن الزيارة التي قام بها البرهان حملت في طياتها رسائل عميقة — رسالة دولةٍ حاضرةٍ رغم الجراح، وشعبٍ صامدٍ رغم الألم. فقد أكد البرهان اهتمام الحكومة بمعالجة قضايا النازحين وتمكينهم من حياةٍ كريمة، مشددًا على أن قضية النازحين تأتي في سلم أولويات الدولة. وأضاف أحد الخبراء قائلا: هي زيارة حملت الأمل في عيون المتعبين، وأكدت أن الشمال ليس فقط أرض التاريخ والنخيل، بل أيضًا أرض الأمان والتكاتف والكرامة السودانية.

 

قيمة المجتمع السوداني

 

وقال الخبير في الشأن السوداني محمد الحسن بلة أن التكافل الاجتماعي في السودان ليس مجرد سلوكٍ طارئٍ أو ردّة فعلٍ لأزماتٍ عابرة، بل هو قيمة أصيلة تمتد جذورها في وجدان المجتمع السوداني منذ أزمانٍ بعيدة، حيث تشكّل روح الجماعة والنجدة والإيثار أحد أبرز ملامح الشخصية السودانية. ففي كل المحن التي مرت على البلاد، برز السودانيون بوجهٍ إنسانيٍّ مشرقٍ يتجلى في تعاونهم وتكافلهم، سواء في المدن أو القرى أو حتى في البوادي النائية. وأضاف بلة أن مشهد استقبال الولاية الشمالية لأبناء الفاشر اليوم ما هو إلا امتداد طبيعي لذلك الإرث الاجتماعي الراسخ.
مشيرا إلى أن فتحت الأسر الشمالية فتحت أبواب منازلها قبل أن تُفتح مراكز الإيواء، وامتدت الأيادي بالكساء والطعام قبل أن تصل القوافل الرسمية. هذا التلاحم بين أبناء الوطن الواحد، شمالًا وغربًا وشرقًا وجنوبًا، يعكس تماسك النسيج السوداني رغم ما حاولت الحرب تمزيقه. ونوه محمد الحسن إلى أن التكافل في السودان يتجاوز مفهوم المساعدة المادية إلى شراكة وجدانية وإنسانية، يشعر فيها كل فردٍ بمسؤولية تجاه الآخر، ويتعامل مع معاناة الناس كأنها شأنٌ شخصي.
وفي ظل هذه الحرب القاسية، أعاد السودانيون للعالم درسًا في الإنسانية، مؤكدين أن ما يوحدهم أكبر من كل ما يفرقهم، وأن جذوة الرحمة التي تسكنهم لا تنطفئ مهما اشتدت الأزمات.
وأكد بلة إن ما شهدته الشمالية اليوم من تضامنٍ واحتضانٍ للنازحين ليس حدثًا عابرًا، بل دليلٌ حي على أن التكافل الاجتماعي هو صمام الأمان الذي يحفظ للسودان تماسكه واستقراره، ويمنح أبناءه الأمل في مستقبلٍ يقوم على التراحم والوحدة والكرامة الإنسانية.

 

درس للعالم

 

من جانبه قال الأكاديمي والمحلل السياسي الدكتور حسن الشايب أن ما قامت به الولاية الشمالية أو إنسانها الذي استقبل نازحي ولاية شمال دارفور بعد سقوط حاضرتها في أيدي مليشيا الدعم السريع هو صورة اجتماعية نقدّمها لكل العالم. ويضيف الدكتور الشايب في حديثه ل (ألوان): برغم تغافل العالم والمنظمات الدولية عن مدّ يد العون لنازحي الحرب، خاصة في دارفور، إلا أن ما فعله السودانيون يعبّر عن طبيعتهم الأصيلة في الترابط والتكافل على مرّ الدهور.

 

التكافل

 

وبدوره قال الصحافي والمحلل السياسي عبد العظيم صالح: برغم ما فعله الجنجويد في المجتمع السوداني ومحاولتهم ضرب النسيج الاجتماعي، إلا أنه اتضح جليًا أنهم لا يشبهون هذا المجتمع. ويزيد عبد العظيم في حديثه لـ (ألوان): حاولت مليشيا الدعم السريع تحويل الحرب إلى صراعٍ بين مكونات المجتمع السوداني، لكنها فشلت؛ لأن هذا الشعب يعرف قيمة ترابطه وتكافله. فالمجتمع السوداني إذا اشتكى عضوٌ منه تألمت له بقية الأعضاء في كل المناطق. ويختتم قائلاً:
الاستقبال الذي حدث لنازحي الفاشر في الولاية الشمالية لم يكن وليد لحظة، بل هو تربية هذا المجتمع منذ فجر التاريخ.