عمر الشاعر .. ساحر الألحان

عمر الشاعر .. ساحر الألحان

أمير أحمد حمد

حقًا ساحر دون سحر، عرف النغم وعرفته الأنغام، صاغ ألحانه بعذوبة فكانت للأذن طروبة، فباتت ألحانه مرغوبة لكل فنان أراد أن يثبت أقدامه في طريق الفن. كان التلحين حصريًا يقع على عاتق المغني ذاته، فظهرت المدرسة ذات الفنان والملحن في نفس الوقت، فكان مفجر الأغنية الحديثة، أو إن شئت فترة حقيبة الفن، الفنان الحاج محمد أحمد سرور، ملحنًا لكل أعماله الغنائية، ثم ظهر الفنان علي الشايقي فسار على نفس النهج، ثم أتى بعد ذلك مفجر الألحان السودانية عبد الله مختار كرومة، فأحدث ثورة في عالم التلحين جعلت الموثقين والمهتمين بأمر الفن يصنفونه بأنه صاحب ألحان وافرة في فترة حقيبة الفن، ويقال إن ٨٠٪ من ألحان تلك الفترة من تأليفه، فكان تأثيره الكبير على الألحان السودانية إلى يومنا هذا، وكذلك كان خليل فرح ملحن معظم أغنياته إن لم يكن كلها، وتبعه في ذلك ملك التم تم فضل المولى زنقار.
هكذا بدأ تاريخ التلحين في مسيرة الغناء السوداني.

 

 

ورغم جمال تلك الألحان وما فعلته من تأثير على الوجدان، إلا أنها كانت ألحانًا دائرية خالية من التأليف الموسيقي، رغم جمال مولديتها، هكذا يقول أهل الشأن في الموسيقى. ولكن بمرور الزمن، قيّض الله مجموعة من صناع النغم والذوق والفهم آنذاك، أي في فترة ما بعد حقيبة الفن (الفترة الوترية)، بالنهوض بأمر التأليف الموسيقي، فظهرت أسماء نقشت اسمها من نور، خصّها الله بوضع ألحان أساسها ما وضعه من سبقوهم في هذا المجال، فظهر برعي محمد دفع الله، وسيف عبد القادر، وعلاء الدين حمزة، وبشير عباس، وعبد اللطيف خضر، ومنى عبد الماجد خليفة، وعثمان حسين، وأحمد المصطفى وغيرهم.
ومن ثم ظهر الفنان الملحن عمر، صاحب الألحان الوسيمة والألحان الفخيمة، والتي “فات” بها الكبار والقدُروا إن جاز التعبير.
ولا غرو في ذلك، وهو ابن شرق السودان مدينة كسلا، تلك المدينة المفعمة بالجمال، فإنجبت عددًا لا يستهان به في مجال الشعر والغناء.
بدأ حياته الفنية كعازف إيقاع، فكانت بداية تدل على احتشاد دواخله بالنغم الموزون، فالإيقاع هو أساس النغم، فعمل عازفًا مع أخيه ومع معظم فناني كسلا آنذاك، أمثال التاج مكي وكمال إبراهيم سليمان الشهير بترباس.
وهذه التجربة كفيلة أن تُومض فيه إشعاع الإبداع.
حاول أن يجعل من نفسه مطربًا حينما غنّى في ربوع كسلا، وحينما حضر إلى العاصمة حاول أن يتصل بالشاعر والملحن عبد الرحمن الريح، مكتشف النجوم، ومن ثم تقدّم إلى لجنة النصوص والألحان.
ويبدو أن محاولاته هذه كلها باءت بالفشل، ومن ثم اتجه إلى صناعة النغم، فكانت معداته في ذلك ما اختزنه في جوفه، وما استمعت إليه أذنه من ألحان شجية، خاصة ألحان الأستاذ عثمان حسين، ففعلت فيه ما فعلت. ففاض مزهره بأعذب الألحان التي أحدثت دويًا وصدى في بهو الغناء السوداني.
ارتبط بالفنان زيدان إبراهيم في فترة السبعينيات، رغم أن زيدان كان ملحنًا بارعًا ووضع ألحانًا جيدة، إلا أن ألحان عمر الشاعر استطاعت أن تحجز مقعدًا وثيرًا في صالون أغنيات زيدان، فكانت إضافة حقيقية لمسيرته.
وأول تعامل بينهما كان أغنية (وسط الزهور متصور)، فجعلته يتربع في وسط ملحني ذلك الزمان، من كلمات محمد جعفر عثمان، وكانت هذه تمهيدًا لثنائية كبيرة، فجاءت أغنيات (ما أصلو ريدة) و(أسير حسنك يا غالي) و(إخوانك) و(في الليلة ديك) و(قصر الشوق) وغيرها.
وامتد تعاونه مع مجموعة من المطربين، فتعاون مع عبد العزيز المبارك بأغنيتي (أحلى عيون بنريدا) و(ما كنت عارف)، كما تعاون مع الأستاذ حمد الريح فلحن له ثلاث أغنيات (لو عارف عيونك) و(الغاريك جمالك)، كما تعاون مع الفنان عثمان مصطفى في أغنية (آسرني يا مياس)، كما تعاون مع الفنان محمود تاور في أغنية (حياتي حلوة)، ثم جاء لحن أغنية (العزيزة) للفنان فتحي حسين، وأغنية (عشناك منى) للفنان إبراهيم حسين، وغيرهم، كما غنّى من ألحانه سيف الجامعة ومحمود عبد العزيز وغيرهم.
والملاحظ في ألحانه أنها لا تتشابه، فكل منها يمثل لوحة قائمة بذاتها زاهية الألوان، علقت في وجدان الشعب السوداني.
وقد صقل موهبته بالتحاقه بمعهد الموسيقى والمسرح، ومن ثم ابتُعث إلى مصر لدراسة الموسيقى، فكانت حقًا إضافة لمسيرته الإبداعية في التلحين.
والجدير ذكره أن الأستاذ عمر الشاعر أحد منتسبي المؤسسة العسكرية، وظل بها إلى أن تقاعد بالمعاش برتبة مقدم.
وقد لقي ربه بعد معاناة مع المرض، له الرحمة والمغفرة.