بؤرة ضياء في آخر نفق أزمة موسم حج 1447هـ

بؤرة ضياء في آخر نفق أزمة موسم حج 1447هـ

كتب: عبد اللطيف السيدح.

علمت ألوان أن ملف حج عام 1447 هجرية مر بلحظات مفصلية خلال ال 72 ساعة الماضية، وفي الوقت الذي تتقاطع فيه المسؤوليات مع الزمن المتسارع نحو بدء ترتيبات موسم حج هذا العام، شهدت مدينة بورتسودان العاصمة الإدارية البديلة حراكاً مكثفاً واجتماعات ماكوكية وُصفت بأنها، طوق نجاة، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أعمال الموسم، ووضع حد للخلافات التي ألقت بظلالها الثقيلة على المشهد بين وزير الشؤون الدينية والأوقاف بشير هارون عبد الكريم والأمين العام الجديد للمجلس الأعلى للحج والعمرة الأستاذ عبد الله سعيد.
وتفيد متابعات ألوان أن حراكا حدث لطي ملف الخلافات بعد أسابيع من التوترات المتلاحقة بين الطرفين، والتي عطلت بعض المهام الأساسية للمجلس والوزارة، وفتحت الباب أمام جدل واسع حول مستقبل ترتيبات الحج، خاصة وأن الوقت يمضي بينما ينتظر آلاف الحجاج السودانيين بارقة أمل تتيح لهم الوقوف على صعيد عرفات، وشهود يوم الحج الأكبر هذا العام.
وأفادت المتابعات أن لقاء جمع بين الوزير والأمين العام بحضور كل من نائب رئيس مجلس السيادة الفريق مالك عقار، ورئيس مجلس الوزراء الدكتور كامل إدريس، وقد وجه نائب رئيس مجلس السيادة ورئيس الوزراء خلال هذا الاجتماع بحسب مصادر مطلعة بفتح صفحة جديدة من الحوار ووضع النقاط على الحروف بشأن مسؤوليات كل جهة، والتوصل إلى رؤية مشتركة تضمن عبور موسم الحج بأقل خسائر ممكنة.
وأفاد المصدر أنه ورغم حساسية الملفات التي طُرحت على الطاولة، فقد اتسم اللقاء بالهدوء النسبي، وترك انطباعاً بأن هناك رغبة حقيقية في كسر الجمود. وقد بدا واضحاً أن حضور نائب رئيس مجلس السيادة ورئيس الوزراء شكل إشارة قوية إلى حرص الحكومة على عدم السماح بانزلاق ملف الحج إلى مزيد من التعقيد.
وفي لقاء ثاني جمع طرفي الأزمة حضره نائب رئيس مجلس السيادة، وغاب عنه رئيس الوزراء حاول عقار وفق ما تسرّب تقريب وجهات النظر بين الطرفين، إلا أن بعض النقاط الخلافية ظلت عالقة، ما جعل اللقاء أقرب إلى جلسة جس نبض منه إلى اتفاق نهائي، ومع ذلك فقد أضاء هذا الاجتماع شمعة صغيرة في آخر النفق، إذ ظهرت بوادر لاستعداد الطرفين للتنازل في بعض الملفات، بما يحفظ هيبة المؤسسات ويضمن سير العمل دون تعطيل.
وتؤكد مصادر ألوان أنه وفي هذه اللحظات تجري اتصالات مكثفة لعقد لقاء ثالث اليوم أو غداً يجمع بين الوزير بشير هارون والأمين العام عبد الله سعيد بصورة مباشرة ودون وسطاء.
ويُنظر إلى هذا اللقاء على أنه المحطة الحاسمة، في مسار الأزمة، فإذا ما نجح الطرفان في الخروج بتفاهمات واضحة فإن الأيام المقبلة قد تشهد انفراجاً كبيراً، يساعد على تجاوز الأزمة التي انفجرت منذ بداية الترتيبات لموسم حج هذا العام.
وتشير التوقعات إلى أن هناك تفاؤلاً حذراً يسود الأجواء، إذ يبدو أن الجميع استشعر خطورة استمرار التنازع بينما تتقلص المواعيد النهائية التي حددتها مصفوفة وزارة الحج والعمرة السعودية، وكل يوم يمر دون حل يضاعف الكلفة ويزيد العبء على الأمين العام للمجلس الأعلى للحج والعمرة ومساعديه لإنجاز حزم الخدمات كالإسكان والنقل والإعاشة، وإبرام الاتفاقيات مع الجهات ذات العلاقة بالحج في المملكة العربية السعودية .
ولفهم ما يجري اليوم، لا بد من العودة إلى الخلف قليلاً، حيث بدأت التوترات منذ الأشهر الأولى لتولي الوزير بشير هارون مهامه، حيث ظهرت خلافات في الصلاحيات بينه وبين الأمين العام السابق الأستاذ سامي الرشيد الذي راح ضحية مؤامرات حيكت بدقة متناهية لإبعاده من موقعه، ثم خلفه الأمين العام الجديد للمجلس عبد الله سعيد، الذي نال ثقة رئيس مجلس الوزراء إلا أن سرعان ما نشبت ذات الخلافات بينه وبين الوزير خاصة في ما يتعلق بالصلاحيات.
ومع غياب الوضوح في المسؤوليات القانونية بين الوزارة والمجلس، تفاقمت الخلافات وتحولت إلى مواجهة صامتة انعكست على سير العمل، قبل أن تتطور إلى صراع مفتوح تبادل فيه الطرفان الاتهامات بصورة غير مباشرة، فيما أصبح مصير الموسم والحجاج معلقاً بحلحلة هذه الخلافات، وقد تزامن ذلك مع مطالبات متتالية من وزارة الحج والعمرة السعودية التي تعتمد جداول زمنية صارمة، بالالتزام بالمواعيد حسب توقيتاها مما جعل الأزمة مرشحة للانفجار في أي لحظة لولا التدخل السريع من الرئاسة ومجلس الوزراء.
ورغم تعقيد المشهد، إلا أن هناك نافذة ضوء بدأت تتشكل بفعل اللقاءات الأخيرة.
وتشير المعلومات المتوفرة تشير إلى أن هناك اتجاه لإعادة توزيع بعض الصلاحيات بما يمنع التضارب، و تشكيل لجنة مشتركة بين الوزارة والمجلس لمتابعة ترتيبات الحج بصورة يومية، إضافة لتوجيهات عليا صدرت للجانبين بضرورة إنهاء الخلاف خلال ثلاثة أيام فقط، وإلا فالعقوبات ستطال كل من يتلكأ في إنجاز ماهو مطلوب منه
وقد بدا من خلال الاجتماعات أن الطرفين على استعداد لتجاوز الخلافات من أجل إعلاء مصلحة الحجاج ووضعها فوق أي اعتبارات أخرى.
وبين التفاؤل والتحفظ، يبدو أن الدولة قد وصلت إلى قناعة بأن استمرار الأزمة سيقود إلى انهيار موسم الحج، وهو أمر لا يقبل أحد بتحمله سياسياً أو أخلاقياً، ورغم العتمة التي خيمت على المشهد خلال الأسابيع الماضية، إلا أن اللقاءات الأخيرة كشفت أن النفق الطويل ليس مظلماً بالكامل، وهناك بؤرة ضوء تتسع شيئاً فشيئاً، وقدرة الدولة على نزع فتيل الخلاف تبدو أكبر مما كانت عليه قبل أيام، والأهم أن الحجاج، الذين هم جوهر هذا الملف، قد يجدون في الأيام القريبة المقبلة ما يطمئن قلوبهم بأن موسم 1447 لن يضيع بين الأيدي.
ويرى مراقبون أن حالة الشد والجذب التي بين الطرفين في طريقها لأن تصبح من الماضي، الأمر الذي سيضمن موسما ناجحاً لحجاج السودان.