
محمد التجاني عمر قش يكتب: شمال كردفان .. هل يعيد التاريخ نفسه؟
شمال كردفان .. هل يعيد التاريخ نفسه؟
محمد التجاني عمر قش
طالعت بالأمس مقالا موثقا للأستاذ بكري البر عن السخصية الكردفانية أشار فيه إلى حقيقة تاريخية تكاد تكون معلومة لدى الجميع ألا وهي أن شمال كردفان قد كانت منطقة عازلة متنازع عليها بين مملكة سنار وسلطنة الفور ولذلك ظلت هذه الأرض منطقة حرب لفترات متطاولة من تاريخ السودان. ويضاف إلى ذلك أن هذه المنطقة لم تشهد قيام كيان سياسي مستقل باستثناء مملكة المسبعات التي لم تنعم بالاستقرار مطلقا حتى دالت وذهب سلطانها.
ومن غرائب الصدف أن اتصل علي البروفسور عز الدين عمر موسى المؤرخ السوداني المعروف والمتخصص في تاريخ غرب إفريقيا وكانت المحادثة عن دور القبائل الهلالية في شمال إفريقيا وغربها وكيف أنهم كانوا عنصر هدم للدول ولتدمير المدن ونشر الفوضى في كل بقعة وصلت إليها سنابك خيلهم وقوافل جمالهم حتى أنهم دكوا مدينة القيروان ونهبوها تماما. وتجدر الإشارة إلى أن من يعرفون بعرب الشتات قد انحدروا من أصلاب أولئك النفر، ولذلك تجدهم لا يرغبون في إقامة دولة بالمعنى المفهوم للدولة ذات المؤسسات والنظام والسيادة، بل كل طموحهم أن يمارسوا الغزو ويزعزعوا استقرار المجتمعات ويحدثوا الدمار بغرض السلب والنهب ثم يعودون للعيش بعيدا عن السلطان على طريقتهم المعهودة وهي أساسها الفوضى الأخلاقية وعدم التقيد بالقيم والعقيدة لأنها ببساطة ليست جزءا من ثقافتهم وعاداتهم كما أن ديدنهم هو إسقاط الدول ولكنهم لا يستطيعون ممارسة الحكم والسلطةفهذا مما لا يعرف عنهم.
والحرب الدائرة في السودان الآن ما هي إلا حلقة في سلسلة أحداث حياتهم ولكن ما هو جديد فيها هو تدخل قوى إقليمية ودولية لديها أجنده جيوسياسية وربما ديموغرافية تريد تنفيذها بإستخدام هؤلاء الأوباش المناكيد. ولهذا السبب قد تسعى تلك القوى لإقامة كيان سياسي جديد في غرب البلاد يستوعب عددا من عرب الشتات ولن يشمل هذا الكيان ولاية شمال كردفان حسبما هو متوقع.
وستظل هذه الولاية كسابق عهدها منطقة عدم استقرار ومسرحا للصراعات العسكرية بين الكيان المزعوم والحكومة المركزية وستسعى الدوائر المؤثرة في هذا الحراك المدمر والوخيم لجعل شمال كردفان منطقة عازلة أو متنازع عليها حتى لا تحقق الدولة السودانية أي نوع من الاستقرار السياسي أو الأمني أو الاجتماعي ولا يمكنها بالتالي إحداث تنمية أو تعمير لأن الهدف الأساسي من الحرب هو إضعاف الدولة السودانية من أجل التحكم في قرارها السياسي ومواردها الطبيعية سواء في الغرب أو على سواحل البحر الأحمر وموانئه وغير ذلك من المواقع؛ خاصة تلك التي تتمتع بوضع استراتيجي أو تتوفر فيها مصادر طبيعية مثل المعادن والنفط وإمكانية الزراعة.
في هذا الصدد يتحدث بعض المحللين عن نتائج سيطرة المليشيا على إقليم دارفور وولاية غرب كردفان مما قد يغري السفهاء بإقامة الكيان الذي أشرنا إليه، وبالتالي سوف يسعون لابتلاع معظم الأرض في كردفان بيد أن من الصعب عليهم إسقاط مدينة مثل الأبيض فدونها خرط القتاد؛ لأنها محصنة تماما بقوات وعتاد لا قبل للمليشيا به أبدا ولعل هذا هو مبعث الاطمئنان لدى القوات المسلحة والقوات المساندة لها.
ومهما كانت الأحوال والتوقعات والاحتمالات، فإن ولاية شمال كردفان ستكون أرض معارك لفترة قد تطول أو تقصر حسب تأرجح ميزان القوة والقدرات العسكرية بين الجيش السوداني والمليشيا؛ ولهذا فإن على مواطن شمال كردفان التكيف مع الأوضاع التي قد تكون قاسية وصعبة حتى يحدث الله أمرا كان مغعولا.
ومع أن المليشيا لها وجود في مواقع مختلفة من هذه الولاية إلا أن وجودهم فيها يعد تكتيكيا بالدرجة الأولى لأن الوضع الراهن على أرض الواقع لا يسمح لهم بإعادة الكرة على العاصمة فهي محصنة تماما، ولا يمكنهم من البقاء في شمال كردفان لأن المنطقة ليس لهم بها حواضن اجتماعية كما أن الطيران سوف يحرمهم من وصول الإمدادات والفزع من غرب البلاد أو من ليبيا وتشاد.
خلاصة الكلام أن من قدر شمال كردفان أن تظل منطقة فاصلة بين جهات متصارعة مع أن السيطرة عليها حاليا في يد حكومة السودان ولكن وجود المليشيا يشكل مهددا لاستدامة الاستقرار في هذه الولاية شاسعة المساحة، وكأن التاريخ يعيد نفسه.