إبراهيم شقلاوي يكتب: حكومة الأمل.. خطة العام غاب عنها اسمها

وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي

حكومة الأمل.. خطة العام غاب عنها اسمها.

اجتمعت حكومة الأمل مطلع الأسبوع لإجازة خطة العام 2026. وعلى الرغم من أن الاجتماع حمل رغبة وطنية لإستعادة التماسك الاجتماعي، إلا أن القراءة المتأنية تكشف عن فجوات لا يمكن تجاوزها، وعن أولويات غائبة هي التي ستقرر ما إذا كانت هذه الخطة بداية مسار جديد يعيد للدولة هيبتها ويمنح المجتمع فرصة لالتقاط أنفاسه والعبور إلى مرحلة جديدة .

الخطة كما أعلن عنها ركّزت على الاستشفاء الاجتماعي، الحوار السوداني السوداني، إعادة الإعمار، وتحريك القطاعات الإنتاجية، وهي عناوين لا يختلف عليها اثنان، لكنها تظلّ عناوين عامة في بلدٍ لم يعد يحتمل التعميم.

فالسودان اليوم يقف عند مرحلة لا يصحّ فيها أن نتحدث عن “تماسك مجتمعي” ما لم تُعاد مؤسسات الدولة إلى العمل، ولا معنى لـ“إعادة الإعمار” دون خريطة تُحدد أين يبدأ الطريق وأين تنتهي شبكات الكهرباء التي انقطعت عن نصف البلاد، ولا طائل من “الحوار” ما لم يُحدد إطارُه وأطرافُه وضامِنُه الوطني. بالنظر إلى محركات هذا الحوار مازالت بعيدة كل البعد عن تحديات المرحلة، وعن المشروع الوطني .

فأولى الثغرات التي تكشفها القراءة الدقيقة هي غياب الحديث عن إعادة بناء مؤسسات الدولة. فالخدمات لا تنهض دون مؤسسات، والتنمية لا تتحرك دون جهاز إداري . الحرب أحدثت تشوهات عميقة في الخدمة المدنية، عطّلت السجلات المدنية والمحاكم والنيابات، وأضعفت الجهاز الشرطي، ومع ذلك لم تتطرق الخطة إلى دعم تشغيلي لهذه الأعمدة التي يقوم عليها كيان الدولة.

لأن قياس التقدم يبدأ من عودة المؤسسات إلى العمل، ومن الزمن الذي يستغرقه المواطن ليحصل على الخدمة الأساسية المرتبطة بالحياة اليومية.

السودان اليوم بحاجة إلى خطة، تربط العودة المؤسسية بالمشروعات التنموية ، إعادة تأهيل البنية التحتية، تفعيل الصناعات المحلية والتحويلية، تطوير التعدين والمشروعات الزراعية، دعم صغار المنتجين، وتحسين جودة التعليم و التأمين الطبي والخدمات، صيانة الطرق ، بحيث تتحول 2026 إلى مرحلة فعلية لإعادة تشغيل الدولة، لا مجرد وعود معلقة، وإلا فإن العام المقبل سيصبح اختبارًا صعبًا، وقد تُعاد إنتاج الأخطاء نفسها على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتنموي .

هناك سؤال مهم : هل تدرك الحكومة أن عام 2026 ليس عامًا عاديًا؟ إنه العام الذي سيُختبر فيه صمود الدولة ، العام الذي ستتضح فيه قدرة السلطة على إدارة واقع ما بعد الحرب، وعلى تحييد النفوذ الخارجي الذي يحاول جر المشهد السوداني إلى حلول سياسية تُصاغ خارج الإرادة الوطنية.

وفي هذا الامتحان، لا يكفي الحديث عن العودة الطوعية أو الخدمات الأساسية، بل يتطلب الأمر إعادة بناء مؤسسات الدولة كشرط أول، وإصلاح الأداء المالي كشرط ثانٍ، ثم إطلاق مشروعات تنموية واضحة كشرط ثالث. فهذه الركائز هي التي تمنح الخطة روحًا، وتجعلها وثيقة قابلة للقياس. لذلك يجب أن تبني الخطة علي المشروعات والبرامج .

كذلك الخطة أغفلت جوهر الحرب التي أحدثت انهيارًا لمؤسسات الإدارة، وتفككًا للنسيج الاجتماعي، وضياعًا لقواعد الإنتاج. ومن دون مواجهة آثار الحرب ببرنامج وطني واضح يشمل العدالة المجتمعية، عودة المدارس والجامعات والمستشفيات، والاتصالات والخدمات وإعادة الأمن المجتمعي ستظل كل خطوة تمضيها الحكومة خطوة فوق أرض رخوة، قابلة للتصدع.

على الصعيد الاقتصادي، تبدو الخطة بحاجة إلى جرأة أكبر. فالبلاد تحتاج إلى اربع قطاعات قائدِة يجري الاستثمار فيها بسرعة: الزراعة التي يمكن أن تعيد التوازن الغذائي، والثروة الحيوانية والمعادن التي تمثلان مورد للعملات الصعبة، والصناعة الخفيفة القادرة على خلق وظائف للشباب .

لذلك من دون إعلان مشروعات محددة بجداول زمنية، سيبقى الحديث عن “تحسين المؤشرات الاقتصادية” مجرد جملة فضفاضة لا وزن لها.

ويزداد المشهد تعقيدًا حين نصل إلى غياب الرؤية التنموية. فالخطة لم تحدد مشروعًا واحدًا يمكن أن يُعدّ قاعدة للنهوض الاقتصادي، ولم تضع جدولًا زمنيًا أو مؤشرًا قابلًا للقياس، فالبلاد تحتاج إلى برنامج وطني واضح للعودة الطوعية، لتعويض المتضررين، لتقدير حجم الدمار في الممتلكات والبنى التحتية، ولإعادة الأمن الذي بدونه لا معنى للاستقرار.

أما سياسيًا، فالحوار الوطني يمكن أن يكون فرصة تاريخية إذا أُدير بذكاء، ويمكن أن يتحول إلى دوامة إذا تُرك بلا إرادة . المطلوب أن تدرك القوى السياسية أن السودان لم يعد يحتمل معارك النخب القديمة، وأن التماسك الداخلي هو قاعدة أي مبادرة، وطنية مخلصة متجاوزة للصراعات .

إن حكومة الأمل بحسب #وجه_الحقيقة تقف أمام لحظة فارقة، إما أن تقدم خطة تُشبه اسمها، أو تسقط في فخ التعميم الذي سقطت فيه حكومات سابقة. الخطة الحقيقية ليست ما يُكتب ، بل ما يُنفذ على الأرض، في القرى التي تنتظر عودة الخدمات، في الولايات التي تحتاج إلى شرطة وقضاء فاعلين، في الصناعة التي تنتظر الكهرباء، وفي الزراعة التي تنتظر مشروعات حصاد المياه. ذلك الجهد يكتب للخطة اسم وللعمل أثر وللمواطن الأمن.
دمتم بخير وعافية.
الخميس 11 ديسمبر 2025م Shglawi55@gmail.com