
إسحق أحمد فضل الله يكتب: (شيء من جذور ما يجري)
مع إسحق
إسحق أحمد فضل الله
(شيء من جذور ما يجري)
قبل أن أتمهّل في مقعدي قلتُ للفتاة التي لا أعرفها، والتي تجلس على الطرف الآخر من المائدة:
: هل نشرب القهوة؟
قالت: نتزوج ثم نشرب القهوة..
قلت: ما اسمك؟
قالت: آن بولين..
التي قطعوا رأسها؟
الحديقة جنوب كلية حميدة كانت بها مظلات تقدّم شواء السمك، وكانت الفتاة تجلس هناك.
وأجوبتها على أسئلتي كانت تعني:
الزم حدودك.
تحدثنا في كل شيء عام، وكانت عيناي تتحدثان عن:
من أنتِ، وماذا تريدين؟
في اليوم التالي لم يكن في الحديقة أكثر من خمسة أشخاص، لكنني جلست إليها مباشرة.
ردّت التحية، ثم دفعت لي بكتاب، سوف أجد فيما بعد أنه كتاب صاعق. اسمه:
(اعترافات قاتل اقتصادي… كيف يتم اغتيال الأمم)
والكتاب ما يجعله فريدًا هو أن كاتبه كان هو من يقوم باصطياد وتحطيم أي دولة، ولحساب المخابرات الأمريكية…
وعند صدوره جعلته النيويورك تايمز… كتاب العام.
قال:
(وظيفتي كانت هي خلق ظروف تضطر الدولة الهدف إلى الاستدانة، ثم العمل على إفلاس الدولة تلك بحيث تستدين مجددًا لتسديد أرباح الدين السابق، ثم الاستدانة بعدها لتسديد أرباح الدين الحالي، ثم… ثم جعل الدولة تضطر لقبول شروط البنك الدولي الذي يصبح هو من يدير الدولة المستدينة، وإلى درجة أنه هو من يقوم بتشكيل الحكومة، والمناهج في المدارس والجامعات، وتحديد ملامح وحدود الثقافة، والدين، والعملة، والجيش، و…)
و…… والفتاة التي تعطيني الكتاب، وكأنها تتنبأ بما جرى أيام الاعتصام، تخط بالقلم الأحمر قوسًا على نموذج مصدّق في إيران.
ومصدق في إيران قام بتأميم النفط… بعد أن ظلت شركات النفط تشفطه شفطًا.
وعندها، مخابرات أمريكا تجعل (الشعب) يثور ضده، ويسقطه، ويأتي بالشاه إمبراطورًا.
بعد جلوسي إلى الفتاة بقليل جاء الاعتصام أمام القيادة، و… و…
والفتاة تضع قوسًا على صفحات هي ما يقوله مؤلف كتاب القاتل الاقتصادي، والسؤال الذي يقول:
: لكن… ما الذي نفعله إن كنا نسعى لتحطيم دولة لا تحتاج قروضًا… كالسعودية مثلًا؟
والجواب المثير الموجع تجده في الكتاب الذي أصبح معروفًا منذ عشر سنوات، والنماذج الأخرى التي من بينها بنما وتشيلي، و…
حيث هناك استُخدمت الرشاشات… النموذج الذي ينجح في يوم، والذي طُبّق في السودان.
والسودان يبوّظ النموذج هذا حين يرفض السقوط.
الفتاة عجزت عن العثور عليها بعد ذلك اليوم.