رئيس الوزراء إلى نيويورك .. تأكيد الشرعية واستعادة الدور الدولي للسودان
رئيس الوزراء إلى نيويورك .. تأكيد الشرعية واستعادة الدور الدولي للسودان
تقرير: الهضيبي يس
تأتي زيارة رئيس مجلس الوزراء الدكتور كامل إدريس المرتقبة إلى مدينة نيويورك في توقيت بالغ الحساسية، داخلياً وخارجياً، في ظل حرب مستمرة أنهكت الدولة، وأضعفت مؤسساتها، وفرضت على السودان واقعاً معقداً في علاقاته مع المجتمع الدولي. ووفقاً لما أعلنه المستشار الصحفي لرئيس مجلس الوزراء الأستاذ محمد عبد القادر، فإن الزيارة تهدف إلى تعزيز العلاقات والتعاون مع الأمم المتحدة، واستكمال حوارات سابقة مع مسؤولي المنظمة الدولية حول الأوضاع في السودان، لا سيما تداعيات الحرب، وآفاق السلام، والعمل الإنساني. واللافت في هذه الزيارة أنها ليست تحركاً بروتوكولياً عادياً، بل تأتي امتداداً لسلسلة مشاورات كان رئيس الوزراء قد بدأها خلال مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي. وهو ما يشير إلى أن الحكومة تسعى إلى البناء على ما تم طرحه سابقاً، لا إلى فتح مسارات جديدة من الصفر، في محاولة لإعادة تثبيت السودان في الخارطة الدبلوماسية الدولية بوصفه دولة فاعلة لا مجرد ملف إنساني.
ويرى مراقبون أن تحركات رئيس الوزراء نحو نيويورك تعكس إدراكاً رسمياً بأن مسار الأزمة السودانية لم يعد شأناً داخلياً صرفاً، وأن الأمم المتحدة باتت منصة مركزية في إدارة ملفات السودان، سواء عبر مجلس الأمن، أو وكالات الإغاثة، أو بعثات الدعم السياسي. وعليه، فإن الزيارة تحمل بعداً سياسياً يتجاوز العمل الإنساني، وتدخل في نطاق محاولة إعادة صياغة الخطاب السوداني الرسمي أمام المجتمع الدولي. وتوقع المراقبون أن يركّز رئيس الوزراء في لقاءاته على شرح رؤية الحكومة لمآلات الحرب، وخططها لإدارة المرحلة القادمة، وكيفية الانتقال من مربع الصراع إلى أفق السلام، مع التأكيد على أولوية الحلول الوطنية، ورفض أي وصاية خارجية مباشرة على القرار السوداني.
من جانبه قال الباحث والمهتم بالشؤون الإنسانية إسماعيل حسين أن الملف الإنساني سيكون في صدارة أجندة اجتماعات رئيس الوزراء مع المسؤولين بالأمم المتحدة. فالسودان يواجه واحدة من أعقد الأزمات الإنسانية في العالم، من حيث النزوح، وانهيار الخدمات، وصعوبة إيصال المساعدات. وأضاف إسماعيل: لذلك ستسعى الحكومة في نيويورك إلى حشد دعم أكبر لوكالات الأمم المتحدة العاملة في السودان، مع محاولة معالجة الإشكالات المتعلقة بتنسيق العمل الإنساني، وضمان احترام السيادة الوطنية في إدارة هذا الملف.
ويرى الباحث إسماعيل أن نجاح الزيارة في هذا الجانب يتوقف على قدرة الوفد السوداني على تقديم تصور عملي، لا يكتفي بوصف الأزمة، بل يطرح آليات واضحة للتعاون، ويعالج مخاوف المجتمع الدولي المتعلقة بالأمن، والشفافية، وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها. وأضاف إسماعيل: لا أتوقع أن تُحدث الزيارة اختراقاً جذرياً في مسار الأزمة السودانية، لكنها قد تشكّل خطوة مهمة في مسار طويل لإعادة ترتيب العلاقة مع الأمم المتحدة. فمثل هذه التحركات، في نظر الدبلوماسية الدولية، تُقاس بتراكمها لا بنتائجها الفورية.
ويذهب الخبير في العلاقات الدولية أحمد السنوسي إلى أن زيارة رئيس الوزراء إلى نيويورك تمثل فرصة نادرة لإعادة بناء الثقة مع الأمم المتحدة، بعد فترة طويلة من التوتر، والالتباس في المواقف. لكنها في الوقت نفسه تنطوي على مخاطر، إذا لم تُدار بحذر. فالمجتمع الدولي، لا يكتفي بالتصريحات، بل ينتظر مؤشرات عملية على وحدة الموقف الداخلي، ووجود رؤية سياسية متماسكة. وقال السنوسي أن أي تعهدات قد تُقدّم في نيويورك ستظل مرهونة بقدرة الحكومة على تنفيذها على الأرض. فالأمم المتحدة، من واقع تجارب سابقة، أصبحت أكثر حذراً في التعاطي مع الوعود غير القابلة للتنفيذ في بيئة النزاع.
وأشار السنوسي إلى أنه من الناحية العملية، يمكن للسودان أن يحقق عدة مكاسب محتملة من هذه الزيارة، أبرزها إعادة تنشيط قنوات التواصل المباشر مع صناع القرار في الأمم المتحدة. وتحسين صورة الحكومة بوصفها طرفاً يسعى للحل وليس جزءاً من الأزمة. وتعزيز الدعم الإنساني، وربما فتح نقاشات أولية حول دعم إعادة الإعمار مستقبلاً. إلى جانب تخفيف الضغوط السياسية عبر تقديم سردية سودانية رسمية متماسكة حول الحرب. مشيرا إلى أن هذه المكاسب تبقى مشروطة بمدى قدرة الحكومة على توحيد خطابها الداخلي، وتقديم نفسها شريكاً موثوقاً يمكن البناء عليه.
وقال السنوسي أن زيارة رئيس الوزراء إلى نيويورك تمثل اختباراً حقيقياً لقدرة الحكومة على الانتقال من موقع رد الفعل إلى موقع الفعل، ومن خطاب الشكوى إلى خطاب المبادرة. فإذا أُحسن استثمارها، يمكن أن تسهم في فتح نافذة أمل، ولو محدودة، في جدار الأزمة السودانية المعقدة. أما إذا أُديرت بذات الأدوات القديمة، فقد تنتهي إلى مجرد محطة عابرة في سجل الزيارات، دون أثر ملموس على واقع البلاد.