ثنائيات الفن السوداني

ثنائيات الفن السوداني
بقلم: أمير أحمد حمد
نتطرق اليوم للأغنية السودانية قديمها وحديثها عبر تاريخها الطويل الذي بدأ منذ أواخر العقد الثاني من القرن الماضي 1919 وعمرها تعدى القرن وبضع سنين. بعد اضراب الطنابرة الشهير في العام المذكور أعلاه حيث كان آخر ظهور لهؤلاء الطنابرة على الساحة الفنية وبعدها لم تقم، لهم قائمة عندما غنى سرورفي ليلة الإضراب نفسها أول أغنية سودانية دون الطنابرة من تأليف الشاعر إبراهيم العبادي وهي أغنية ببكي وبنوح وبصيح لي الشوفتن بتريح وهي تعتبر العظم، التي بنت عليه الأغنية السودانية لحمها وشحمها، فكان هيكلها ما هي عليه اليوم. تميزت الأغنية السودانية منذ بداية ظهورها بوجود أداء جماعي أو ثنائي لها وهذه الميزة قد انفردت بها دون سائر رصيفاتها في الدول العربية والأفريقية فلم نسمع في مصر مثلًا بثنائي القاهرة كما عندنا هنا ثنائي العاصمة أو ثنائي بيروت في لبنان كما عندنا ثنائي الدبيبة أو الموردة في السودان لماذا هذا التفرد ربما يعود هذا التفرد إلى طبيعة الشعب السوداني الذي يميل دائمًا للعمل الجماعي في كل نواحي حياته.
فالثنائيات التي نشأت في الوسط الفني في فترة الحقيبة وما بعد الحقيبة فكانت ثنائية بين سرور والأمين برهان، كذلك كرومة مع عوض شمبات لكن لم تستمر طويلًا والمعروف عن كرومة أنه كان في الغالب في حفلات المناسبة لا يغني منفردًا فكان يصاحبه علي أبوالجود ومبارك صقر الشيخ ولكن لم يسجل أسطوانة وهو يغني ثنائية ولفظ ثنائية لفظ مستحدث وكان في فترة الحقيبة يطلق عليها مطابقة يعني أن فلان طابق فلان. والثنائية التي نشأت حديثًا في غالبيتها العظمى تكونت عن طريق الصدفة لم يكن هنالك تخطيط مسبق لنشأتها. فنجد مثلًا ثنائي العاصمة تكوينهم أتى صدفة عندما جاء إبراهيم أبودية إلى منزل السني الضوي قاصدًا أن يمده بألحان فوجد معه اللواء جعفر فضل المولى، وبدأ السني في غناء أغنية لإبراهيم عوض وفجأة دخل معه أبودية فكانت أصواتهما متجانسة تمامًا فإقترح عليهم اللواء أن يكونا ثنائي فكان ثنائي العاصمة ثم صار بعد ذلك ثلاثي بإنضمام محمد الحويج الذي لم يستمر معهم طويلًا لوفاته مبكرًا عام 1964 فعادا ثنائي مرة أخرى.
ومثال آخر ثنائي الجزيرة لعبت الصدفة أيضًا دورًا كبيرًا في ثنائيتهما وهما أحمد شبك ومحمد عوض فقد كان أحدهما يغني في حفلة، وكان الآخر يقف خلفه بالصدفة وبدأ يدخل معه في الأغنية فإنتبه شاعر مدني الأستاذ بدوي بانقا وكان حضورًا في الحفل لإنسجام الأصوات بينهما فإقترح عليهما تكوين الثنائية وفعلًا كانت الثنائية بينهما ومنحهم أغنية جميلة وهي (يا سوسنا كلك سنا حبك بيجري في دمنا) إلى آخر الأغنية الجميلة كلامًا ولحنًا وهذه على سبيل الأمثلة لا الحصر.
والملاحظ أن كثير من هذه الثنائيات سميت بأسماء مناطق ومدن عدا القليل فنجد ثنائي الموردة (عطا كوكو ومحمود عبدالكريم)، وشمبات (إبراهيم محمد حسين وعوض مصطفى وداعة الله) وأبوكدوك، حيدر وفؤاد الفتيحاب أو أبوسعد. (عبد الحي عبد الرحمن وعبد الوكيل أبيض) وبري الطيب حاج الصديق ومحمد طه والدبيبه. (دفع الله ورفيق دربه) وأمبده. (سعد ومحمود) وتيمان عطبرة وحديثًا الحتانة.
وأيضًا من الثنائيات التي إتخذت أسماء فنية أو ثقافية ثنائي النغم. والثنائي الوطني محمد حميدة ويوسف السماني والجيل وغيرها وهنالك ثنائيات لم تتخذ أي مسمي وأشهرهم على الإطلاق ميرغني المامون وأحمد حسن جمعة. وهنالك ثنائيات لم تستمر طويلًا كثنائية عطا كوكو وعركي صالح وعبد الله الماحي وعثمان سليمان وعطا كوكو وسيد أحمد أب طشة ومهدي والريح. ومهم أن نشير إلى أول ثنائية في الأغنية السودانية كانت بين الحاج محمد أحمد سرور والفنان الأمين برهان لبرهة من الزمن.
وفي أوائل سبعينيات القرن الماضي ظهر ثلاثي رهيب بنات طلسم (البلابل) وقد أطلق عليهم هذا الإسم البروف علي المك له الرحمة. وقد كان لهذا الثلاثي دور مؤثر في مسيرة الأغنية السودانية .
ومن طرائف عمنا عبد الحي وهو أحد فردة ثنائي أبوسعد أن أذنه الشمال كانت (تقيلة) يعني سمعها قليل، بينما الأخرى سليمة فعندما سئل (ليه أضانك الشمال تقيلة وطرشة)؟ رد عليهم قائلًا: (ليه ما بجيها التقل والطرش إذا كان عبد الوكيل واقف شمالي يغني أربعين سنة) وعبدالوكيل الشهير بـ (أبيض) فردته في الثنائية وكان ومازال يتمتع بصوت قوي. رحم الله عمنا عبد الحي عبد الرحمن وكل الذين، رحلوا عنا وبقي ابداعهم حيًا في وجداننا.