د. حسن محمد صالح يكتب: ايلا .. رحلت ما ودعتنا

موقف

د. حسن محمد صالح

ايلا .. رحلت ما ودعتنا

نعى الناعي اليوم واحدا من ابناء السودان العظماء الذين لهم يد سلفت ودين مستحق ولهم في قلوب الناس منازل ومواقع ملئها الحب والإخاء الصادق. رحل اليوم الدكتور محمد طاهر ايلا رئيس وزراء السودان السابق ووالي الجزيرة والبحر الأحمر ونائب والي البحر الاحمر خلال فترة الحكم الإقليمي ووزير الطرق والجسور والنقل بالسودان.
لقد كانت للدكتور ايلا في كل هذه المواقع بصمة وعطاء لا ينضب كان همه الأول والأخير هو الانسان صحة وتعليما ورفاهية ودور في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
٢-
اول ما حارب ايلا في البحر الاحمر الجهل والمرض وبدأ باستئصال داء الدرن الذي كان يصيب مواطني البحر الاحمر وهو مرض قاتل من اهم أسبابه الفقر وضعف الغذاء وكانت حملته لمكافحة الدرن شبه قومية بمشاركة منظمات المجتمع المدني وديوان الزكاة .كانت حملة مكافحة الدرن بشرق السودان حملة شاملة ومن خلال توثيق اعلامي وإحصاءات رقمية تخلص المواطن في شرقنا الحبيب من المرض وانتهت مقولة أن الدرن مرض وراثي .
٢-
أما الجهل فقد طبق ايلا برنامج التعليم مقابل الغذاء وفتح المدارس واهتم بتعليم البنات وتجاوز مشكلة أن يقوم الرجال بتعليم البنات وترك الأمر للأهالي لتنظيم هذا الشأن بالتدرج والتشجيع علي التعليم . وشيد الراحل ايلا القري النموذجية لاستقرار العرب الرحل من أهل البادية ومد هذه القري التي تعتبر من العلامات المميزة في شرق السودان وولاية البحر الاحمر بكافة أنواع الخدمات .
٣-
اعتمد ايلا في البحر الاحمر التنمية المتوازنة في كل المحليات تجد مستشفي مرجعيا باسم امير الشرق عثمان دقنه وشيد المقار الحكومية ورئاسة المحليات والمجالس التشريعية .
واهتم ايلا بمحلية طوكر وفيى مدينة طوكر قام ببناء وتخطيط طوكر الجديدة. واهتم بالسياحة وجعل من بورتسودان المدينة السياحية الاولي في السودان وشجع الاستثمار السياحي العقاري واضاف للمدينة حيا راقيا هو حي المطار بورتسودان.
٤-
لم تودع بورتسودان ابنها ايلا زهدا فيه عندما انتقل واليا للجزيرة ولكن رئيس الجمهورية المشير عمر حسن احمد البشير كان قد قطع لاهل الجزيرة وعدا بأنه سوف يقوم بتنمية الولاية الخضراء وتطويرها ونثر كنانته من الرجال يومها فوجد ايلا أقواهم عودا واشدهم عزيمة علي التنمية والتطوير وقد كانت بصمته في ارض المحنة لا تقل عن بصمته في بورتسودان واكبر المعجزات هي توسعة شارع النيل بود مدني لما فيه من عوائق واشكالات تجاوزها بحكمته وصبره .
٥-
كان الراحل ايلا قوميا في توجهاته السياسية خاصة في السنوات الأخيرة وكان مع فكرة أن يترشح الرئيس عمر البشير قوميا بدلا من أن يكون مرشحا للمؤتمر الوطني حتي لا يعتمد الحزب علي اصوات الرئيس وينافس في الانتخابات شأنه شأن الأحزاب الاخري ولكن قضت ثورة ديسمبر علي الإصلاحات السياسية والتوجهات القومية لرئيس الوزراء كما قضت علي المشروعات التنموية والطرق في السودان عامة والجزيرة خاصة.
٦-
كانت علاقتي بالراحل ايلا علاقة اخاء وصداقة وفي آخر زيارة لبورتسودان ذهبت لابنه سائلا عنه وعن صحته وهو الذي ظل منذ سنوات مستشفيا بأرض الكنانة وتعذر الاتصال بيننا لظرفه الصحي شعرت وقتها بالحزن وتذكرت ايام كان ايلا ملء السمع والبصر وجلوسنا في كورنيش بورتسودان ليلا تحت ضؤ القمر وكان يقول لي كل الصحة والعافية في هواء البحر الاحمر وكان يأتينا رفيق دربه في السياسة وابن بلده محمد طاهر احمد حسين عليه رحمة الله.
الذين لا يعرفون الراحل ايلا عن قرب يرون فيه شخصا صارما ولكنه كان بسيطا لين العريكة وودودا له إلمام كبير بالعالم ومعرفة بالسياسة السودانية وتفاصيلها خاصة في شرق السودان واهم ما يميز ايلا بالرغم من أنه رجل سياسي ملتزم الا أنه احب اهل شرق السودان واحبوه فهو عندهم الاب والاخ والصديق والمدافع عن حقوقهم وهو الذي يتحدث إليهم حديث القلب الي القلب بالعربي والبيجاوي يريد زيادة همتهم وعلو شأنهم وكان غناهم ليلا ومدحهم له علي كل لسان.
اللهم تقبل الاخ العزيز عبدك الفقير لعفوك ورضاك محمد طاهر ايلا وبارك في عقبه وذريته واجعله لديك من المقربين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.