كمال حامد يكتب: الرأي العام العالمي .. انطلاقة من أسفل

من السبت إلى السبت

كمال حامد

 

الرأي العام العالمي .. انطلاقة من أسفل

مساندة الحقوق العادلة وما كشفته حرب السودان

 

كان عنوان مقالنا السبت الماضي (الفاشر جاءتكم بالساحق والماحق) إشارة للتغيير الهائل في معظم إن لم يكن كل المواقف الشعبية الدولية والإقليمية مع الحق السوداني وارتفاع شعار المطالبة باعتبار مليشيا الجنجويد منظمة إرهابية حتى من داخل مجلس الشيوخ الأمريكي.
ويقيني لو فكرت المليشيا ومحركوها ومساندوها بعقل ونظرة أبعد لما اقتحموا مدينة الفاشر التاريخية، ولكنهم بلا عقل ولا خبرة إستراتيجية عسكرية معروفة عنهم، كما أن عقلية الداعمين المساندين لا تنطلق إلا من عقلية انتقامية وتصفية حسابات ومصالح لمجرد الأعداء، فكانت هذه العزلة الكبيرة والكراهية غير المحدودة.
وحتى محاولات تخفيف الضغط والهجمة العالمية باللجوء لبعض الآراء السطحية مثل محاولة وصف الانتهاكات بأنها تصرفات فردية كحال المجرم أبو لؤلؤة، فقد جلبت عليهم السخرية والسؤال عن عشرات بل مئات الانتهاكات في ود النورة والهلالية والصالحة والجزيرة وبارا والنهود، فهل هي فردية؟ وإن كانت كذلك، أين أبو لؤلؤة الجديد؟.
أحاول استعراض المواقف الإيجابية المساندة للحق السوداني والتي كالت الاتهامات للمليشيا وذكرت تصريح رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس جان ريتش، ولكن شاهد العالم حتى مدرجات ملاعب الكرة تعلقت بعلم السودان ورفع صور الانتهاكات وطالت استاد نادي مانشستر سيتي المملوك لمنصور بن زايد، وكذلك الحفلات الغنائية لأشهر مطربي العالم.
لا خلاف حول التحول الهائل المساند للحقوق وحتى حق الشعب الفلسطيني، وشاهدنا الفضائيات تنقل المسيرات المؤيدة والاعتصامات أمام مقرات سفارات دولة الإمارات وصور رئيسها الكاريكاتورية بتشخيصه مصاصًا للدماء، كل هذا لم يكن يحدث إلا من السودانيين وحدهم.
نعم، كان السودانيون وحدهم يتحملون المسؤولية إلى ما قبل مجازر الفاشر الأخيرة، حتى تحملت معهم شعوب العواصم المسؤولية، واكتفوا بمعسكرات الاستنفار التي شملت كل السودان عدا ولايات دارفور، ويوم الجمعة كانت كل المساجد مخصصة للحدث والدعاء لأهل دارفور وإقامة صلاة الغائب على آلاف الضحايا، وأعجب لبعض أبناء جلدتنا المساندين للمليشيا الذين يقللون من الموقف الوطني ويسألون عن موقف الشعب.
وأمس أعلنت المنظمات الدولية الإنسانية وصول ما يقارب المائة ألف نازح من الحرب إلى المدن الآمنة: الدبة، الأبيض، الخرطوم وعدد من مدن الشمالية، هروبًا من ترويع الجنجويد إلى أحضان الشعب.

 

تقاسيم .. تقاسيم .. تقاسيم

 

تلقى الرئيس دونالد ترامب وحزبه ضربة معلم إذا خسر الجمهوريون معركة انتخابات عمدة نيويورك، بل فاز المرشح الديمقراطي المسلم زهران ممداني، الشديد الكراهية لإسرائيل واليهود وترامب، الذي كان أول تصريح صدر منه مستغربًا ضاربًا كفًا بكف (يفوز شيوعي في عاصمة المال في العالم؟) في إشارة لبرنامج زهران الاشتراكي نصير العاملين.
يمكن اعتبار فوز مسلم في أكبر معقل لليهود والرأسمالية في العالم ضمن ما عبرنا إليه في عنوان هذا المقال من التغييرات التي تضرب العالم من أسفل إلى أعلى إن شاء الله.
فاز برنامج تحسين حالة الناس وخفض الضرائب ومجانية المواصلات على برامج منافسه المدعوم بالمال والنفوذ.
بمناسبة ترامب، يستقبل بعد غدٍ الاثنين في البيت الأبيض زعيم داعش أبو محمد الجولاني المطلوب لواشنطن حيًا أو ميتًا مقابل عشرة ملايين دولار، الذي تحول مائة وثمانين درجة لمصلحة بلده وصار اسمه السيد أحمد الشرع رئيس جمهورية سوريا، وبهذه الصفة سيدخل البيت الأبيض ويخلف رجلًا على رجل ويتحاور مع ترامب (فيس تو فيس).
أجاز مجلس الأمن أول أمس الخميس الطلب الأمريكي برفع العقوبات الدولية عن الرئيس الشرع ووزير داخليته أنس خطاب.
قصة أبو محمد الجولاني أو الرئيس أحمد الشرع أهديها لإخوتنا الإسلاميين في السودان الذين لم يبلغوا مكانة الأول ولن يصلوا لما وصل إليه الثاني، ومن أجل السودان الوطن الذي يحتاج لبعض الذكاء والسياسة والاستقرار شريطة ألا يحكمنا أي سياسيين مجربين، لا إسلاميين ولا قحاتة ولا تأسيس ولا صمود، لا مليشيا ولا أحزاب ولا دعامة، وإن لم نجد حكامًا نثق بهم فلنأتِ بحكام أجانب لقيادة مباريات الفترة الانتقالية، وللدين رب يحميه.
أُشيد بالأخ خالد الأعيسر لتحركه الأخير في كل الفضائيات وكأنه استرد عنوة وصف الناطق الرسمي المنزوع منه، وليته يقلل من توسيع مسؤوليته الوزارية بالإصرار على إضافة اسم السياحة التي كانت تاريخيًا تابعة للثقافة ولا تذكر كوزارة إلا إن كان الأمر يتعلق بالسياحة، حالها كحال كيانات أخرى تابعة لوزارات كبيرة مثل المساحة والطيران المدني التابعة لوزارة الدفاع، ولا يذكر وزيرها بأنها وزارة الدفاع والمساحة والطيران المدني.
يتعرض بعض الفنانين للهجوم لإحيائهم الحفلات في الخليج ومصر، أرى أن هذا أكل عيشهم إن مارسوه باحترام مع الإشارة لمعاناة الوطن، وهناك من يستحقون التقدير الكبير وأخص من يقيمون داخل الوطن يقدمون الدعم المعنوي والصرف على التكايا والتشجيع على العودة.
اقترحت مرات أن تنضم القنوات الولائية للقناة القومية في الأحداث الكبيرة، وأن تعمل هذه القنوات لتطوير أدائها كما قناتا الشمالية ونهر النيل، وليت الأخيرة تطور نشرتها الإخبارية أكثر ولا يقدمها المذيع واقفًا كما طورت الأولى نشرتها.
انطلقت هذه الأيام بالدوحة بطولة كأس العالم للناشئين تحت 17 سنة، وسأكتب لاحقًا عن هذه المنافسة لأن لنا فيها تاريخًا فقد تأهلنا لها عام 1991م بإيطاليا، وعالميًا فاز المنتخب السعودي بكأسها عام 1989م باسكتلندا.
تأثرنا لعودة النشاط الرياضي لدار الرياضة بأمدرمان وغيرها، وحسنًا فعلت أندية الهلال والمريخ وأهلي مدني بالمشاركة في الدوري الرواندي، وحسنًا فعل المريخ بالمشاركة بالفريق الثاني في دوري بربر لو صحت المعلومة، وتواصل ولاية نهر النيل في تميزها باستضافة كاملة ومعسكر لمنتخبنا الأولمبي.
الصهاينة من شدة ما تفرعنوا وأمنوا الحماية من (ترامب القرن) طرحوا للكنيست مشروعًا يحكم بالإعدام على كل من يدان في جريمة قتل، يعني الإعدام للجميع من شارك ومن لم يشارك، وأحيانًا يكون الحكم حسب درجة المشاركة، وستكون البداية بكل من بقى من الأسرى، وعلق بن غفير كبير المجرمين المتطرفين: يجب أن يصمت القضاة أولًا.
طبعًا حدث هذا التطور بعد ظهور معلومات عن قتل أسرى، والقانون يمنع ذلك.
الزميل المراسل من دارفور معمر إبراهيم أعرفه جيدًا متعاونًا معنا، أسره الجنجويد ووقف شجاعًا مؤكدًا مهنيته، تحية للاتحاد الدولي للصحفيين الذي تبنى أمره، ووجد أذنًا صاغية لم تكن تسمع بيانات لجاننا العديدة المحلية.
(الدعم السريع انتهى ولن يكون له أي وجود عسكري أو سياسي) عبارة نسمعها كثيرًا نمر عليها، ولكن هذه المرة لم أمر عليها ووقفت عندها كثيرًا لأنها صدرت مرتين من الأخ السياسي المخضرم مبارك عبد الله الفاضل المهدي، وحين استوضحه المذيع قال: إنه سياسي ويعلم أن عباراته ممكن أن ترتد عليه.
الأخ مبارك صديق وله علاقات واسعة في الداخل والخارج، وأحيانًا تحس أنه متقلب أو كما يقول بعضنا (يلعب صالح ورقه)، لكن كنا كثيرًا ما نلجأ إليه في داره العامرة بشارع البلدية ونخرج بمعلومة مفيدة، ومرة جاءت سيرة إحدى معلوماته المهمة في حضرة السيد الإمام الصادق المهدي يرحمه الله، وحين علم بمصدر المعلومة علق ضاحكًا: (ممكن لأن مصدركم على علاقة بالـ CIA).
تصريحات المليشيا التي سارعت بالإشادة بالرباعية والموافقة دون شروط على كل الخطوات والهدنة جعلتني أصدق ما قاله السيد مبارك المهدي وكرره بأن الدعم السريع انتهى خالص، تبقى مشكلة المتعلقين به ومعظمهم بدأ رحلة التخلي بل وصفوه بالمتمرد الفوضوي.
فقدنا هذا الأسبوع العديد من المعارف والشخصيات العامة المعروفة منهم زميلنا الصحفي الكبير المثير للجدل الأستاذ عمار محمد آدم الذي كان يثري المناقشات بصوته الجهوري وأحيانًا خروجه عن النص، ونشهد له بالشجاعة والاستقامة والوضوح حين يحدثك عن مشاركته في انقلاب الإنقاذ ثم اعتقاله من الإنقاذيين، وحين يحدثك عن مسؤول المخابرات السيد صلاح قوش الذي اعتقله وهدده وهو نفسه الذي صحبه بعربته مع عروسه بعد الزفاف للفندق.
مات رجل، مات السيد بونا ملوال، والرجل واحد من أفضل من تولوا وزارة الإعلام في عهد نميري، نشهد له بالشجاعة والعدالة وإنصاف العاملين والمهنة، عمل وزير دولة ثم تولى الوزارة وترك بصمة طيبة وعلاقات واسعة داخل وخارج السودان.
لا حول ولا قوة إلا بالله، بلغني الآن من مكة المكرمة وفاة الأخ العزيز ابن عطبرة الأصيل هاشم عبد الرحيم عثمان، ربنا يسكنه الجنة والعزاء لأسرته أشقائه وشقيقاته وأسرة كبير النظار عمنا إبراهيم عثمان خالد والأهل والجيران بالمربعات وأمبكول والشمالية وأسرة نادي بوهين وأسرة نادي النيل. إنا لله وإنا إليه راجعون.
وحملت الأنباء من السادة المكاشفية رحيل الشيخة حفيظة الشيخ الجبلي الشيخ عبد الباقي المكاشفي، ربنا يرحمها والعزاء للسادة المتصوفة وأهل الله الأحباب. إنا لله وإنا إليه راجعون.
وبكت مدينة الحلفايا حزنًا لوفاة كبير أسرة آل الخليفة السيد الخليفة الحسن محمد نور عميد الأسرة شقيق البروفيسور عثمان الخليفة حسن محمد نور، ربنا يرحمه. إنا لله وإنا إليه راجعون.
نلتقي إن شاء الله السبت القادم إن كان في البدن صحة وفي العمر بقية.