محمد التجاني عمر قش يكتب: رهيد النوبة أقرب للعاصمة!

رهيد النوبة أقرب للعاصمة!

محمد التجاني عمر قش

كثيرا ما نسمع عبارة أن المدنيين أو “الملكية” حسب إخوتنا العسكريين ما ينبغي لهم مناقشة الأمور العسكرية، لكن الحرب والأحداث المؤلمة التي دارت في الفاشر وبارا أخرجت الأمور من تلك الدائرة؛ إذ إن الأمر الآن هو شأن وطني ملح يمكن لأي صاحب رأي أن يتناوله بدون خروج عن الحدود أو تطاول على جهة ذات اختصاص عسكري، أو سيادي، أو أمني، أو قانوني، والقصد هو الإدلاء بأطروحات أو مقاربة يمكن أن تسهم في إيجاد مخرج من الحالة التي تشهدها البلاد حالياً.
عندما كانت المعارك تدور في العاصمة المثلثة والجزيرة وولاية سنار، كان تلقى زخما وحماسا منقطع النظير، لكن مع خروج المليشيا من تلك المناطق وإعلان العاصمة خالية من التمرد تراجعت وتيرة العمليات العسكرية وانحسر ذلك الزخم بشكل ملحوظ، لا ندري لماذا!
والآن متحرك طريق الصادر يتمركز في منطقة رهيد النوبة، غرب أم درمان بما لا يزيد عن مائة وعشرين كيلومتراً تقريبا، وهي مسافة تشكل خطرا على العاصمة المثلثة نفسها، وقد أمضى الجيش وقتا طويلا في هذا الموقع دون التقدم نحو جبرة الشيخ التي تحولت إلى ترسانة وقلعة منيعة تتحصن بها المليشيا، علما بأن درب الأربعين الذي يمتد حتى شمال دارفور ظل شريانا يغذي المليشيا بكل ما تحتاجه من مرتزقة وذخيرة ووقود وعتاد عسكري يأتيها من حفتر أو من تشاد وجنوب السودان، أو من نيالا بعدما تنقله طائرات المتعهد والكفيل الإماراتي.
ونعيد إلى الأذهان خروج المليشيا من الخرطوم عبر جسر خزان جبل أولياء دون أن تتعرض لهم أية جهة عسكرية أو أمنية على أقل تقدير لحجزهم في مواقع محددة، ولكن ما حدث هو أنهم عبروا الجسر والتفوا على قرى الجموعية ليحدثوا فيها تلك المجازر البشعة ويشاركوا في معركة صالحة، وبعد هزيمتهم توجهوا إلى جبرة الشيخ والقرى الواقعة على طريق الصادر وشكلوا بذلك حاجزا حال دون تقدم القوات المسلحة والقوات المساندة لها غربا خشية حدوث خسائر بشرية في صفوف المقاتلين، مع أن القوات التي توجد في رهيد النوبة والمواقع الأخرى يمكنها كنس المليشيا حتى أبشي!
ومع تراجع وتيرة العمليات العسكرية وانحسار الزخم، تمكنت المليشيا من استعادة السيطرة على بارا على حين غرة من قواتنا المسلحة، والكل يعلم بما ارتكبت المليشيا من جرائم بشعة ضد المدنيين العزل في تلك المدينة الوادعة بعد أن عاد إليها سكانها، بموجب نداءات من جهات الاختصاص، ليلقوا حتفهم على يد عناصر المليشيا بلا رحمة أو إنسانية، ولا تزال الجثث في المنازل حيث منع أهالي الضحايا من دفنها. وباختصار شديد، ما حدث في بارا لا يقل بشاعة عما شهدته الفاشر، بيد أن الجنجويد قد وثقوا فظائعهم في شنب الأسد ولم يفعلوا ذلك في بارا!
الآن تتداول وسائط الإعلام الحديث عن هدنة ونخشى أن تبقى الأمور على ما هي عليه، وبذلك تظل العاصمة على مرمى حجر من مسيرات العدو، مع استمرار تدفق الدعم للمليشيا الأمر الذي يهدد شمال كردفان كلها ويضع المواطنين أمام تحدي النزوح أو مواجهة الموت المحتوم على يد الأوباش، وليس من مخرج سوى تحرك يطرد الجنجويد من طريق الصادر، تمهيدا لإبعاد الخطر الداهم عن الأبيض والزحف غربا لتحرير الديار حتى أم دافوق.