مجازر الفاشر .. المجتمع الدولي يستشعر الخطر

مجازر الفاشر .. المجتمع الدولي يستشعر الخطر

أمدرمان: الهضيبي يس

كشفت مذكرة دبلوماسية صادرة عن الأمم المتحدة أن مجلس حقوق الإنسان التابع للمنظمة سيعقد جلسة طارئة لمناقشة الوضع في مدينة الفاشر بشمال دارفور، وذلك في أعقاب تقارير موثقة عن عمليات قتل جماعي ارتكبت خلال سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة. وأفادت وكالة “رويترز” أن هذه الدعوة جاءت نتيجة مخاوف جدية من حجم الانتهاكات التي طالت المدنيين والمقاتلين العزل، ما دفع المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل عبر القنوات الأممية. وتُعد هذه الجلسة أول تحرك مؤسسي بهذا المستوى منذ تصاعد النزاع في السودان منتصف عام 2023م. وأظهرت الوثيقة الأممية أن أكثر من خمسين دولة أيدت الاقتراح الذي تقدمت به بريطانيا وأيرلندا وألمانيا وهولندا والنرويج، بما في ذلك ثلث الأعضاء الحاليين الذين يتمتعون بحق التصويت في مجلس حقوق الإنسان. ومن المقرر أن تُعقد الجلسة الطارئة في الرابع عشر من نوفمبر، وسط توقعات بأن تشهد مناقشات حاسمة حول الانتهاكات المرتكبة في الفاشر وتداعياتها على الوضع الإنساني والسياسي في السودان.

 

 

ويعكس هذا الدعم الدولي المتزايد تحولًا في الموقف العالمي تجاه الأزمة السودانية، بعد أشهر من التردد في اتخاذ إجراءات مباشرة. وأفاد مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن مئات المدنيين والمقاتلين العزل ربما يكونون قد قتلوا خلال عملية السيطرة على مدينة الفاشر، مشيرًا إلى أن حجم الانتهاكات يستدعي تحقيقًا دوليًا مستقلاً. وتأتي هذه التصريحات في وقت تتزايد فيه المطالبات بفتح تحقيقات شفافة حول الجرائم المرتكبة، وضمان محاسبة المسؤولين عنها، وسط تقارير ميدانية تشير إلى تدهور حاد في الأوضاع الإنسانية داخل المدينة، وانهيار شبه كامل للخدمات الأساسية.
وقال سفير السودان لدى الأمم المتحدة، حسن حامد حسن، خلال تصريحات صحفية هذا الأسبوع، إن الحكومة السودانية لا تزال تدرس موقفها من الجلسة الطارئة.
من جانبه أعرب مكتب الادعاء بالمحكمة الجنائية الدولية عن بالغ قلقه وانزعاجه الشديد إزاء التقارير الأخيرة الواردة من الفاشر، والتي تتحدث عن وقوع عمليات قتل جماعي واغتصاب وجرائم أخرى يُزعم ارتكابها خلال هجمات قوات الدعم السريع. وتشكل هذه الفظائع جزءًا من نمط أوسع من العنف الذي اجتاح إقليم دارفور بأكمله منذ أبريل 2023م. وإذا ثبتت صحة هذه الأفعال، فقد تُعد جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بموجب نظام روما الأساسي. ويُذكّر المكتب بأنه بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1593 (2005) تتمتع المحكمة الجنائية الدولية بالاختصاص القضائي للنظر في الجرائم المرتكبة في سياق النزاع الدائر في دارفور. ويجري المكتب تحقيقات بشأن الجرائم التي يُزعم ارتكابها في دارفور منذ اندلاع الأعمال العدائية في أبريل 2023م. وكما ورد في أحدث تقرير قُدم إلى مجلس الأمن، يعمل المكتب بشكل مكثف من خلال عمليات ميدانية متكررة، وتعميق التواصل مع مجموعات الضحايا ومنظمات المجتمع المدني، وتعزيز التعاون مع السلطات الوطنية والمنظمات الدولية. وفي إطار التحقيق الجاري، يتخذ المكتب خطوات فورية بشأن الجرائم المزعومة في الفاشر من أجل الحفاظ على الأدلة ذات الصلة وجمعها لاستخدامها في الملاحقات القضائية المستقبلية. وتشكل الإدانة الأخيرة التي أصدرها قضاة المحكمة الجنائية الدولية بحق زعيم الجنجويد، علي محمد علي عبد الرحمن (المعروف أيضًا بعلي كوشيب)، عن جرائم مماثلة ارتُكبت في دارفور عام 2004م، تحذيرًا لجميع أطراف النزاع في دارفور بأن المساءلة عن مثل هذه الجرائم الفظيعة أمر حتمي. ودعا المكتب جميع الأفراد والمنظمات المنخرطين في السعي لتحقيق العدالة والمساءلة إلى تقديم أي معلومات أو أدلة تتعلق بالأحداث الأخيرة أو السابقة في الفاشر، عبر منصة مكتب الادعاء الآمنة (OTP Link).
ويقول الكاتب الصحفي والمحلل السياسي محمد مساعد إن تجاهل مليشيا الدعم السريع لطبيعة الأوضاع الإنسانية والإقدام على تنفيذ مزيد من الانتهاكات أمرٌ يدل على عدم الاكتراث بالمجتمع الدولي والقوانين والأعراف ووثيقة حقوق الإنسان، كما جعل منطق القوة “العسكرية” هو الأبرز في إنفاذ أي مشروع سياسي أو عسكري أو اقتصادي. ويضيف مساعد أن الانتهاكات الإنسانية الأخيرة التي اقترفت بحق مواطني مدينة الفاشر قبل أيام أثبتت بما لا يدع مجالًا للشك حالة الضعف والانصياع التام للجناح السياسي الممثل في مجموعة “تأسيس” خلف سياسات تلك الجماعة المسلحة، وهو ما برز جليًا من خلال الخطاب السياسي والإعلامي الذي لم يتطرق قط لجملة الانتهاكات الإنسانية التي طالت المدنيين بتلك المدينة. وزاد: نحن نحتاج لمزيد من التحركات والاستفادة من يقظة بعض المؤسسات الإقليمية والدولية بهدف تشكيل حالة من الضغط على تلك المليشيا بصورة سياسية، مما يخلق ما يُعرف بالعزلة تجاه ما قامت به من تعديات إنسانية، وأيضًا تقديم جملة من الأدلة والإثباتات التي تؤكد أن ما حدث يرقى لمستوى جرائم الإبادة، مما يحق للسودان والسودانيين رفع دعاوى لاستصدار مذكرات إيقاف بحق قيادات المليشيا.