أطباء الفاشر .. حراس الحياة في زمن القصف والمآسي

تقرير: محي الدين الصحاف
في ظل القصف المدفعي اليومي والاستهداف المستمر بالطائرات المُسيّرة من قبل قوات الدعم السريع، يواصل الكادر الطبي في المستشفى التخصصي لأمراض النساء والتوليد (السعودي) عمله رغم الظروف القاسية. أصبح هذا المستشفى الملاذ الطبي الوحيد بعد تدمير معظم المستشفيات والمراكز الصحية بمدينة الفاشر.
وسط ظلام غرفة العمليات، التي تضاء فقط بأنوار الهواتف المحمولة، وعلى وقع أصوات المدافع والرصاص بالخارج، يستمر الأطباء والكوادر الصحية في أداء واجبهم الإنساني. مشهدٌ أشبه بأفلام هوليوود الحربية، لكنه واقع مرير يعيشه سكان المدينة. ورغم المخاطر، تستمر الخدمات الطبية بفضل جهود الأطباء والسلطات الصحية، ممثلة في وزارة الصحة ولجنة الإسناد بالوزارة، إضافة إلى منظمات المجتمع المدني والخيرين من أبناء الولاية.
× أبناء الجامعة .. فخر الصمود:
عبرت كلية الطب بجامعة الفاشر عن فخرها بصمود طلابها وخريجيها العاملين في المستشفى السعودي، حيث نشرت تدوينة مؤثرة على صفحتها في فيسبوك، جاء فيها:
“الفاشر قلاع الأساطير، حيث يتداخل الواقع بالخيال في ظلمة حالكة، ليظهر مشهد ملحمي يروي بطولة إنسانية سامية. أطباء كأنهم شعلة أمل تُضيء عتمة المعاناة، يلتفون حول طاولة الحياة بإصرار لا يعرف المستحيل. ضوء المصباح هنا ليس مجرد أداة، بل رمزٌ للتحدي والعزيمة، كأنه الشمس وسط ليل اليأس. كل حركة من أيديهم تحمل رسالة نبيلة: أن الإنسانية قادرة على التغلب على الظلام مهما كان دامسًا.”
وأضافت التدوينة:
“في هذا المشهد المهيب، لا نرى فقط مهارة طبية، بل نرى قلوبًا تنبض بالإيثار، وعقولًا تتحدى الظروف، وأرواحًا تُقاتل من أجل إنقاذ أم وولادة طفل. إنه درس في الشجاعة والإخلاص، وصورة تعكس أن النور الحقيقي ينبع من أفعال الإنسان نفسه، حتى في أحلك اللحظات. هؤلاء الأطباء هم أبطال بلا عباءة، يكتبون بحروف من نور قصة انتصار الحياة على الصعاب.”
وختمت المنشور بهاشتاغ: التقطت هذه الصورة أثناء سقوط وابل من القذائف على مجمع عمليات الولادة.
× جرائم القصف واستهداف المستشفيات:
أدان وزير الصحة والرعاية الاجتماعية بحكومة إقليم دارفور، بابكر محمدين، القصف المتعمد الذي تنفذه قوات الدعم السريع على المستشفيات، مؤكدًا أن هذا الاستهداف الممنهج يُعد تحديًا صارخًا لكل المناشدات والقرارات الدولية. وقال محمدين إن هذه الجرائم تكررت مرارًا، خاصة ضد المستشفى السعودي الذي يقدم الرعاية للجرحى والمسنين والنساء والأطفال. وأضاف أن هذه الانتهاكات تُعد خرقًا واضحًا للقوانين والمعاهدات الدولية التي تضمن حماية المستشفيات وعدم استهدافها. وطالب محمدين المجتمع الدولي بالتحرك العاجل لمحاسبة ومعاقبة مليشيا الدعم السريع على قصفها المستشفيات والمرافق الخدمية الأخرى بمدينة الفاشر.
× جهود مقدرة في القطاع الصحي:
ثمّن الوزير جهود وزارة الصحة بولاية شمال دارفور وجميع الكوادر الطبية، إضافة إلى مبادرات الإسناد الصحي، التي بذلت أقصى طاقتها في تقديم الخدمات الطبية رغم المخاطر. كما أكد أن صمود المواطنين في منازلهم كان بفضل تفاني الكوادر الصحية في الاستمرار بتأدية واجبها الوطني.
× تصعيد همجي .. ودمار شامل:
أدانت وزارة الصحة الاتحادية استمرار مليشيات الدعم السريع في استهداف المستشفيات والكوادر الصحية، مؤكدة أن ذلك يُشكل خرقًا للأعراف والقوانين الدولية.
وفي هجوم همجي جديد، استهدفت مليشيات الدعم السريع المستشفى السعودي بـ10 طائرات مسيّرة انتحارية وقصف مدفعي كثيف، ما أدى إلى استشهاد 70 شخصًا من المرضى والمرافقين، إضافة إلى تدمير قسم الحوادث والإصابات بالكامل.
× روح التطوع في مواجهة الأزمة:
آدم سليمان، فني مختبر بالمستشفى السعودي، تحدث عن دوره كأحد أوائل المتطوعين في بنك الدم المركزي، الذي أصبح المورد الأساسي لتلبية احتياجات المصابين داخل المستشفى وحتى في معسكرات النازحين. وكشف سليمان عن النقص الحاد في احتياجات بنك الدم، داعيًا إلى تقديم الدعم لضمان استمراريته، خاصة في تحديد الفصائل النادرة. كما أعرب عن قلقه من الأوضاع الأمنية المتدهورة، مشيرًا إلى أن إحدى عمليات القصف العشوائي أسفرت عن مقتل أكثر من 20 شخصًا وإصابة العشرات، ما تسبب في حالة هلع بين الكوادر الطبية والمرافقين.
× مستشفيات خارج الخدمة:
نتيجة للقصف المستمر، خرجت معظم المستشفيات والمراكز الصحية عن الخدمة، من بينها: مستشفى الأطفال شرق المدينة، الذي أصبح مقرًا لقوات الدعم السريع، مستشفى الفاشر التعليمي، مستشفى بابكر نهار للأطفال، مستشفى الفاشر جنوب، مستشفى إقرأ التخصصي، مستشفى نبض الحياة، مستشفى جبل مرة، مركز غسيل الكلى، مركز التغذية العلاجي، وأكثر من 20 مركزًا صحيًا ومخزنًا للأدوية. وبسبب هذا الوضع، أصبح المستشفى السعودي هو الوحيد الذي يتحمل العبء الكامل للحالات الطبية في المدينة، بعد أن تم دمجه مع المستشفى الجنوبي تحت الظروف الاستثنائية التي فرضتها الحرب.
× وسام الصمود للجيش الأبيض:
أشادت وزارة الصحة الاتحادية بصمود الكوادر الطبية وكافة العاملين في القطاع الصحي، وعلى رأسهم د. إبراهيم عبد الله خاطر، مدير عام وزارة الصحة بولاية شمال دارفور. وأكدت الوزارة أن الدكتور خاطر وزملاءه يستحقون كل التقدير لدورهم الكبير في ظل الظروف الأمنية الصعبة، وأن جهودهم الدؤوبة في تقديم الخدمات الصحية رغم التحديات الهائلة تعكس التزامهم الإنساني ومهنيتهم العالية. كما أشارت إلى أن موقف الدكتور خاطر في تسليط الضوء على الانتهاكات التي تمارسها مليشيات الدعم السريع، يُجسد شجاعة نادرة وحسًا وطنيًا رفيعًا.
× الخلاصة:
في ظل هذه الأوضاع القاسية، يبقى الجيش الأبيض في الفاشر صمام الأمان للمدنيين، ورمزًا للصمود والتفاني. هؤلاء الأطباء والعاملون في القطاع الصحي هم الأبطال الحقيقيون، الذين يواجهون الموت يوميًا من أجل إبقاء شعلة الأمل مضيئة في أحلك الظروف. لهم منا كل التحية والتقدير.