غزة بين السفيه وخايب الرجا

ولألوان كلمة
حسين خوجلي
غزة بين السفيه وخايب الرجا
يمتاز السودانيون بحيوية مثمرة ونشاط دفّاق في كل بلادٍ حطت فيها رحالهم أو أرست فيها سفنهم على الشواطئ البعيدة والمدارات. وظل العديد من الأصدقاء والقراء والمتابعين من شتي العواصم يوالون مهاتفاتهم وكتاباتهم ورسائلهم صوتاً ومشاهدة وحرفاً مما خفف عنا كثيراً وطأة الوعكات وبؤس المنافي والنزوح، ومن قلب الأُنس السوداني كنا نتطرق لنشاط الجاليات وتفاعلهم مع الآخر وأثناء إصطخاب المعركة الرئاسية بأمريكا سألت أحدَ الأصدقاء عن موقفه السياسي فأخبرني بأنه قد قرر الإنضمام لحملة الحزب الجمهوري ومساندة دونالد ترامب ومعه الكثير من الأصدقاء والمعارف السودانيين رغم ميولهم للديموقراطيين وهو ما يسمى في علم السياسة بالتصويت العقابي رداً على المواقف المخزية للرئيس جو بايدن ونائبته كاميلا هاريس ووقوفهم المساند ببشاعة لصالح إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الذي تمت إبادته وتدمير بنيته الأساسية ومساكنه بالسلاح الأمريكي المدمر والقنابل المحرمة التي تماثل كل القنابل التي ألقيت في الحرب العالمية الثانية.
ومن لطائف ما حكاه لي إنهم كانوا في احدى الحدائق العامة يوزعون صور ترامب وشعارات الجمهوريين فدخل معهم أحد الأخوة الإثيوبيين الذين كانوا يقيمون في السودان قبل هجرته إلى العالم الجديد وكان من الموالين للحزب الديموقراطي في جدال طويل وحاد كان أبرز محطة فيه قوله: إنكم دائما تتشدقون وتزعمون بمواقفكم الأخلاقية المبدئية فما الذي يجعلكم تقفون مع مرشح أتهم في خمسين قضية أغلبها جنائي وبها الكثير من المخالفات غير الأخلاقية مع بنات هوى وممثلات محترفات في عالم صناعة الجنس؟! فقلت له إن لنا مثلاً شائعاً في السودان يتداوله العامة والخاصة يقول منطوقه (أرجى سفيه ما ترجى خايب رجا) وإن صاحبكم بايدن هذا خايب رجا فنحن ننتظرها من السفيه إمتثالاً لأمثالنا وحكمتنا الشعبية، ومن الغريب أن مجموعة من الأمريكيين البيض كانوا يراقبون نقاشنا الحاد في إهتمام وقد إلتقطوا عبارتنا السودانية بعد الاستفسار وحولوها إلى اللغة الأمريكية الدارجة وصارت إحدى شعارات الحملة دون أن ننال شرف حقوق الملكية الفكرية.
حين سمعت قبل أيام دعوة ترامب الفضيحة بإخلاء غزة من أهلها وتحويلها إلى مشروع سياحي يعج بالعراة والساقطات وكازينوهات القمار وقد أتبعها بإساءة أخرى للعالم العربي بأن يتحملوا عبء هذا الترحيل والطرد غير الأخلاقي ما بين الأردن ومصر والسعودية إيذاناً بتصفية القضية الفلسطينية تماماً ومحو شعبها من الوجود إبادةً ووباءاً وتشريداً وزيادة في الإستفزاز والإساءة لهذه الأمة الشاهدة وهذا الشعب الصابر الصامد الجسور أصدر أوامره بلهجة تمثل الحد الأقصى من العنجهية بأن عليهم حتى منتصف نهار السبت أن يطلقوا سراح كل الأسرى الإسرائيليين وإلا سيفتح عليهم باب الجحيم.
أصبح العالم كله يترقب الجحيم الثاني لترامب وهو يتساءل في حزنٍ ودهشة “وهل أبقى نتنياهو لترامب جحيماً آخر يفعله أو يدعيه؟” اتصلت أخر الليل بصديقي السوداني الجمهوري المتأمرك معلقاً له بسخرية لقد أصبح الراهن السياسي للجمهوريين وترامب يقول بصراحةٍ صارخة: لا خير لكم لا في السفيه ولا في خايب الرجا فأبحثوا في الانتخابات القادمة إن لم تقم القيامة عن مواصفات أخرى ومرشح جديد.