كمال حامد يكتب: موضوع لا يحتاج دليل جديد .. الكرة السودانية تمشي عرجاء

من السبت إلى السبت

كمال حامد

موضوع لا يحتاج دليل جديد .. الكرة السودانية تمشي عرجاء

** كتبنا وكتب كثيرون عما تعانيه الكرة السودانية من قصور وأمراض مستوطنة منذ عشرات السنين، ولا نرى غير مقترحات وحلول ينقضي أثرها سريعًا، وتواصل المشي عرجاء.
** لن نستمع لمن يقول إنها ظروف البلد والحرب، نرد عليه بأن المال الوفير الذي يتعامل به اتحاد الكرة والناديان الكبيران لم نسمع مثله في سنوات التأسيس والأمن واستقرار المواسم. مدربون أجانب، لاعبون محترفون من معظم الجنسيات في الناديين، ومعسكرات وإمكانيات وأزياء مبهرة لا يوجد لها مثيل في معظم أندية العالم، إذا لماذا (المشية العرجاء)؟.
** سؤال وجيه والإجابة سهلة، المشي برجل قوية سليمة لا يكفي إلا بالرجل الأخرى المعطوبة، وهي رجل اللاعب المكتمل لكل متطلبات اللعبة وأبرزها اللياقة البدنية والبنيان السليم للجسم والاهتمام بالناشئة، ملايين دولارات الهلال والمريخ لا يصرف منها دولار واحد على الناشئة.
** من زمان مشكلتنا اللياقة والبنيان الجسماني، ولكن كان نجومنا يغطون عليها بموهبة الحِرفنة وكما كنا نقول (دسوا الكورة)، الآن الحرفنة ودسّ الكورة لا مجال لهما، واللعب بالخطط الجماعية والتمركز و(باص وخانة)، وكل واحد في الفريق عارف دوره، وإن لم تكن لياقته مائة المائة ينهار في الشوط الثاني.
** فرقنا كلها تنهار في الشوط الثاني، وبعد مباراتين ثلاثة، بعكس الفرق المكتملة اللياقة كلما لعبوا مباراة زيادة يرتفع مستواهم. ومنتخبنا لعب في الدوحة أمام لبنان والجزائر بالمتوفر من اللياقة، وانهار أمام العراق بهدفين وأمام البحرين – أضعف الفرق – بثلاثة، والحمد لله لا توجد مباراة أخرى فكانت (الأربعة محمدانا).
** لا نهتم باللياقة البدنية والبناء الجسماني، وبدونهما ستضيع دولارات اتحاد الكرة والهلال والمريخ، نفرح في البداية ونبكي فيما بعد ذلك، حتى مدربينا الأجانب يهملون هذه المسألة.
** أحتفظ بالكثير من القصص حول الاهتمام بالثقافة الكروية والبناء الجسماني، منها قصة لاعبنا الذي أبدع في بطولة كأس العالم للناشئين بإيطاليا 1991م، ورصدته عيون الأندية الأوروبية وفاز به نادٍ هولندي شهير. استقبلوه وأعدوا له مسكنًا فاخرًا وسلّموه قائمة التوجيهات الأولية وتشمل الأكل والنوم والميزان مرتين يوميًا وهلمجرّا. سمع بوجوده الطلاب السودانيون وتونسوا معاه وعزموه عشاء سوداني. صاحبنا رجع بعد منتصف الليل فوجد كل مجلس إدارة النادي في انتظاره ومعهم جواز سفره وبطاقة صعود الطائرة. صار يتحلّف بأنه والله (ما عملت حاجة غلط). ردوا عليه: ربما، ولكنك لم تعرف ما في القائمة، أنت لا تعرف ثقافة الاحتراف. طبعًا كثيرون عرفوا اللاعب والنادي.
** القصة الثانية عشتها في جدة في الثمانينات، وصل نجم المريخ اللاعب عصام الدحيش هدّاف الدوري للعلاج، وقرر الدكتور الكبير المرحوم عامر مرسال عملية جراحية أجراها بنفسه، وناداني بلبس العملية المميز وسألني بعبارته الشهيرة (في دينك وإيمانك دا هدّاف الدوري؟). أكدت له ومعي قصاصة من صحيفة، ضرب كفًا بكف وقال: (وديني وإيماني لم أجد له عضلة في أسفل القدم، دا بشوت كيف ويحرز الأهداف؟).
** يعذرني صديقي وبلدياتي عصام عبد الغني الدحيش، فقط قصدت التنبيه لمسألة البنيان الجسماني وما ألاحظه في الأندية السعودية من اهتمام لكل عضلات اللاعب. عصام الدحيش يحرز أهدافًا جميلة بتمركزه ورأسه الذهبي، ولكن لا أتذكر له هدفًا قويًا من خارج المنطقة. رحمك الله دكتورنا المفخرة جارنا ابن البراري الدكتور عمر مرسال.
** قلبي مع جمهورنا المعلم الذي يعرف ويجيد المساندة بالروح الوطنية، ويعرف أيضًا المشكلة الحقيقية، ولهذا صفق للاعبين بعد خسارة البحرين المؤلمة وهتف لهم (عافين منكم واثقين منكم)، لأنه يعرف قصور التدريب الجسماني واللياقة البدنية، وأنهم ليسوا سبب المشية العرجاء.

تقاسيم تقاسيم تقاسيم

 

** من أبرز ما يجعل الكرة السودانية عرجاء غياب الحس الوطني بين فئة كبيرة من جمهور الناديين الكبيرين، يشجعون المنتخب والفريق الآخر بنفس مستوى التعصب الذي يمارسونه. من مستوى صحف الناديين يشيدون بلاعبيهم في المنتخب ويشتمون لاعبي الفريق الآخر، أما الأسوأ فهي عمليات الحساب الدقيقة لتشكيلة المنتخب (كم من لاعبينا وكم من لاعبي العدو؟).
** لدينا قصور وأيضًا لنا مبادرات ورغبة في التطور وإعلاء النفس، ومن ذلك الجهود التي تظهر في الاهتمام بالبنية التحتية وأقصد تأهيل الملاعب، فالسودان المؤسس للكرتين الإفريقية والعربية ليس به ملعب قانوني واحد لكرة القدم وغيرها، هذا قبل الحرب الجنجويدية اللعينة، أما الآن بعد الحرب فلا شيء قانوني أو غير قانوني.
** قصدت بالمعلومات السابقة أن أشيد بالرياضي الأخ حسن برقو رئيس اتحاد الجنينة المنكوبة والرئيس المناوب للجنة إعادة تأهيل المدينة الرياضية، التي استهل الدعم بمائة مليار جنيه هذا الأسبوع. ليتها تكون بداية ملحمة يشارك فيها الجميع بالجنيه الواحد والعشرات والمئات والملايين والمليارات، كل حسب قدرته وحسه الوطني.
** بدأت عطبرة من بداية السنة الجديدة الاحتفال بمرور مائة سنة على تشييد دار الرياضة في 1927م، وإن شاء الله أتمكن من المشاركة. وبدأت بسؤال أصدقائي عن أشهر الاستادات في إفريقيا والوطن العربي، وبالتحديد مصر وتونس، وتلقيت المعلومات المنتظرة؛ أول ملعب في مصر كان ملعب الإسكندرية 1929م، وأول ملعب في تونس كان ملعب البلدية 1934م وتغير اسمه إلى ملعب الشاذلي زويتن. ألا يجب لعطبرة والسودان الاحتفال بهذا التميز وهذه الريادة؟.
** حسنًا فعل الأخ الدكتور السر محجوب وزير الشباب والرياضة ولاية نهر النيل بتفقده للموجود من البنية والملاعب، واهتممت وأتابع زيارته لمركز شباب المربعات لإعادة تأهيله، ولهذا المركز تاريخ ووجود، وظهر منذ الاستعمار باسم نادي الصبيان، به تعلم الصغار ما يفيدهم، وفي المساء تعلم أهلنا الكبار ما يمحو أميتهم.
** وكنت أود التواصل مع الأخبار الإيجابية من نهر النيل، والتي أتابعها من خلال القناة الفضائية المتطورة بسرعة، ويستحق قيادتها الحالية التقدير وكوادرها الشابة، وهؤلاء أذكرهم بمن سبقهم في إذاعة وتلفزيون عطبرة الريفي، والذين يشكلون حاليًا وجودًا في معظم أجهزة الإعلام المحلية والعربية، وأحتفظ بالأسماء فقد نعلنها في احتفال المدينة المنتظر.
** من المهم ألا ننسى رموز إعلام عطبرة والولاية ومسؤولي الإعلام منذ عهد أعمامنا دبورة وأمين عبد المجيد وعمر المبارك وإدريس البنا وأحمد الزبير وفيصل محمود، إلى عهد إخوتنا هاشم علي مالك وحسن أحمد الشيخ والدكتور عبد الله علي إبراهيم ويحيى الغسين وقرشي عبد الله وميرغني أبو شنب وحسن البطري ومحمد لطيف وعمر محمد الحسن والدكتور أمين حسن عمر، والقائمة طويلة والصفحة قصيرة والذاكرة حاضرة إن شاء الله، فقد نسيت أسماء أهم ممن ذكرت.
** أغنية الموسم هذه الأيام عند السياسيين الإخوان المسلمين لأن المجتمع الدولي يحب سماعها، ولا يقف المتنافسون عن الترديد، وكنت أنصحهم في السودان أن يكون لهم حسن التعامل مع العاصفة وكفاهم ما عملوه. وأضرب دائمًا مثلًا بالداعشي أبو محمد الجولاني الذي صار أحمد الشرع رئيسًا لسوريا ودخل البيت الأبيض خالفًا رجلًا على رجل من أجل سوريا ومستقبلها، و(للدين رب يحميه) والعبارة من عندي وليست من عند غيري.
** اتفاق هجليج الأخير المعلن وغير الموقع بين حكومة جنوب السودان والجيش السوداني وميليشيا الدعم السريع بعدم الاعتداء على المنشآت النفطية، أرى أن كل الأطراف تحلم بالاستفادة منها سليمة.
** فقدنا هذا الأسبوع والأسبوع السابق عددًا من المعارف والشخصيات، أحدهم الشاب المذيع المبدع محمد محمود الشهير وسط زملائه بـ”حسكا” كما اشتهر بالطيبة وخفة الدم والابتسامة. أحتفظ له بسهرة في بيتي ببري مع أسرتي.
** مات صديقنا ودفعتنا وقريبنا اللواء سيف الإسلام جمال الدين بالرياض، نسأل الله له الرحمة والعزاء لأسرته والأهل والجيران بعطبرة ودنقلا وأرقو.
** فقدنا رمزًا رياضيًا وقانونيًا هو الأستاذ ماجد إسماعيل بمصر، صاحب المواقف مع أصدقائه ومجتمع الرياضيين والقانونيين وأسرة نادي الهلال وأسرة نادي الشعب بشمبات وكل شمبات، إنا لله وإنا إليه راجعون.
** نقلت الأخبار استشهاد ابن علي ميرغني شقيق زميلنا الصحفي عثمان ميرغني وشقيق الشهيد عبد الله ميرغني، ربنا يرحمه وأن يسكنه الجنة، والعزاء للأسرة والأهل بالخليلة والشمالية.
** بإذن الله أغادر اليوم مدينة شرورة الهادئة إلى العاصمة الرياض الصاخبة تلبية لدعوة نقلها لي الأستاذ سليمان الشمري من وزارة الإعلام للمشاركة والتكريم غدًا الأحد في حفل افتتاح أسبوع السودان ضمن المهرجان الثقافي السعودي بحدائق السويدي، وإن شاء الله الأحد القادم من الرياض لجدة والسودان.
** قد نلتقي السبت القادم من جدة إن كان في البدن صحة وفي العمر بقية.