كمال ترباس .. نجم مضئ في سماء الفن السوداني

كمال ترباس .. نجم مضئ في سماء الفن السوداني
بقلم: أمير أحمد حمد
كمال إبراهيم سليمان (ترباس) خرج من أم درمان مرتع صباه قاصداً كسلا الوريفة، ليست الشاربة من الطيبة فقط كما قال عاشقها الحلنقي، بل شاربة كل أنواع الإبداع الجمالي، فانتشعت وازدهرت ربوعها، فكان جمال إنسانها يفوقها وسامة وأناقة. فكان فناناً دارت عليه كؤوس الجمال فشرب منها وارتوى، فشدا صوته فيها مشابها شدو العنادل في دوحها.
تداعت كسلا وقراها وأرخت مسامعها إليه، وحق لها هذا التداعي لأنه نثر عليهم أنغاماً شجية حواها جوفه الذي امتلأ به سحر حقيبة أم درمان، فكأنما افتتح فرعاً لها في وجدان المستمع الكسلاوي الذواق. كلما حضر إلى أم درمان (ستف) في حقائبه الإبداعية متجهاً إلى كسلا ما يزين به فرعه الذي افتتحه فيها، فأصبح بذلك نجماً ساطعاً في كل مناسبات أفراح أهل كسلا.
ولكنه لم يدر أنه سوف ينال بهذا السطوع ما ناله عبقري الشعر السوداني التجاني يوسف بشير من حسد وغل من إخوته الذين رموه بالكفر حسداً منهم لنبوغه، فصور ذلك تصويراً بديعاً في إحدى قصائده حينما قال: “رميت ولست أول كوكب نفث الزمان عليه فضل شهابه”. وهذا ما حدث بالضبط لفناننا الفخيم الصوت والنغم، تكالب عليه بعض الفنانين بكسلا كما تكالبوا أخوة التجاني يوسف بشير حتى طردوه من المعهد العلمي. فناننا لم يطرد من كسلا، بل نال علقة من أحد فناني تلك المنطقة لأنه أحس بخطورة فناننا الفخيم عليه وبدأ يهدد عرشه الفني.
هكذا كان المشهد في كسلا، وبدأت بشائر فنه تلوح في أفق أم درمان، مما حدا بأخيه أن يلحق به في كسلا طالباً منه الحضور إلى قلعة الفن والأدب أم درمان التي ألهمته الفن، خاصة أن مولده كان في حي شهد شماله ووسطه وجنوبه تألق نجوم الأغنية السودانية التي شع بريقها في أنحاء البلاد. إنه الثلاثي سرور والأمين برهان وعبد الكريم عبد الله مختار الشهير بكرومة.
إنه حي السيد المكي الذي شهد مولده في العام الثاني لوفاة الفنان كرومة عام 1948، وأيقن أن فناناً قد تسرب وميض من بريق تلك النجوم التي ظل بريقها مشعاً في سماء الإبداع إلى يومنا هذا في دواخله، فأضاءت روحه بجميل الأنغام، فاختزنها في جوفه، فكانت خير معين له ساعدته في أن يكون أحد النجوم المضيئة جداً في سماء الفن السوداني الممتد من عهد الحقيبة إلى عهد الوتريات والغناء الشعبي.
فاختار من كل هذه الحقب ما راق لمزاجه وما توافق مع إمكانيات صوته، والتي درج أهل الموسيقى أن ينسبوا درجة صوته إلى التينور الثاني مصحوب بالتطريب العالي. وأشهد أنه كان حاذقاً وموفقاً في اختياراته، غنى لسرور فأبدع، وغنى لكرومة فأمتع، وغنى للندامي فكان أروع، وغنى لزنقار فكان الانبهار بجمال الصوت “من بف نفسك يا القطار” فأضاف عليها من بف نفسه النغمي ما زادها حلاوة وطلاوة على حلاوتها الزنقارية.