
أسحق أحمد فضل الله يكتب: (مع من يشعرون بالعالم المتغير)
مع إسحق
أسحق أحمد فضل الله
(مع من يشعرون بالعالم المتغير)
زينب…
ما نكتبه شعور بأنه لا منجى ولا مهرب منك إلا إليك، أيها الإسلام.
وما نكتبه هو دعوة إلى تقديم الإسلام بلحن جديد…
فالتدين الذي يقتل الدين يرسمه إبراهيم إسحق في مشهد من رواية:
وفي المشهد، الفتاة يقول عنها أحدهم إنه شاهدها مع واحد، والأب المهتاج… المتدين تماماً… يظل يصرخ في وجهها أمام الناس، كأن هو من دعا الناس للأمر باعتبار (وليشهد عذابهما طائفة…).
والأب المهتاج يصرخ في وجه ابنته بما سمعه من الأجرومية:
– هل كان ذلك مرواد في مكحلة؟
والفتاة المسكينة تنتفض، ولا هي تدري ما معنى “مرواد في مكحلة”…
كان فهم السودانيين للإسلام هو هذا…
…..
والشيوعيون في الشعر ما ببراعة مميزة، لكنهم كانوا يصبغون اللون الأحمر على كل ناجح… فناناً مثل مصطفى سيد أحمد، أو شاعراً مثل صلاح.
ثم هم… تصرخ طبولهم عند كل من يبغبغ بشيء.
ولم يكن فيهم من يقول:
رأيت مواكب الأحياء ترحل عن مغانيها
تطاردها وراء الليل أشباح الفوانيس
سمعت نشيج باكيها
وصرخة طفلها
وثغاء صاد من مواشيها
وفي وهج الظهيرة صارخاً: يا حادي العيس
على ألم مغنيها
ولكن… لم أرَ الأموات قبل ثراك يطردهن حفار
من الحفر العتاق وينزع الأموات عنها أو يغطيها
ولكن… لمَ الموات يجليها؟
مجون مدينة
وغناء راقصة وخمار
السياب كان وجعه يحول نبش مقابر في بغداد لفتح الطريق للرصف، إلى ريشة ترسم المجتمع الظامئ المتعفن هناك.
والكلام يجر الكلام… وفي مقدمة ديوانه – المقدمة المحذوفة فيما بعد – كان صلاح يكتب عن زيارة وفد الشيوعيين العراقيين للخرطوم، وما صبه عليهم السودانيون من كرم وحب.
وبعد حين، يطير وفد من الشيوعي السوداني إلى بغداد… وما حدث هو ما يحكيه صلاح:
– وهناك، لقيتنا وجوه ما هي وجوه رفاق، ولا وجوه عرب … وجوه جلدها اللؤم…
…..
ما نريده هو: أن السودان المسلم ما كان يعرف الإسلام، والسودان الشيوعي ما كان يعرف الشيوعية.
وما أكبر كان هو أن السودان السياسي ما كان يعرف العالم، ولا خرج من سرداب عام ألف…
وربما لهذا كان المؤرخون – حتى اليوم – يهربون من كتابة التاريخ الحقيقي للسودان.
…..
وزينب… نكتب ما نكتب لأننا نجد أننا، ولسبعين سنة، ظللنا نكرر الأخطاء ذاتها…
والأسبوع هذا، ترامب يعلن للعالم أن زمان الأخلاق انتهى، وزمان الدين انتهى، وزمان كل ما عرفه العالم وتاريخه… انتهى.
الآن… من المدفعية أكبر.
والرجل لا يخفي أنه حصل من قطر على مليارات، وطائرة… ثم أرسل إسرائيل لتضرب.
العالم اليوم هو هذا.
ومن لا يعرف… يموت.
ومن يعرف ويعجز عن الإجابة… يموت.
…..
وقبل سنوات، كنا نشترك في مهرجان “البَلَه”.
وفي مؤتمر للوطني كنا نمسك الميكروفون لنقول للحضور:
– الشيطان… جميل.
وضحكوا… فالناس يتخيلون أن الشيطان صورته هي: جلد أسود مغضّن، وعيون نارية، وقرون… و… وأنه يأتي الناس بهذا ليقول لهم: اتبعوني… إلى النار.
والشيطان ليس بهذا البله.
الشيطان يأتي في صورة: عيون فاتنة… حقيبة مال ثقيلة… رشفة نبيذ (هذه المرة فقط… هذه الثانية فقط… هذه المائة فقط).
….
نحتاج إذن إلى فهم جديد للإسلام يا زينب.
وفهمنا للإسلام – الفهم الذي لا ندعو إليه أحداً – هو:
كنا شباباً، وكان عيد أضحى، وندخل بيتاً مسكيناً، وصاحبته تحت الحرج تقدم إلينا ما عندها… “شَرْبُوت”…
والأول يرشف رشفة ثم يتوقف… والمرأة وجهها يختلج.
والثاني يرشف ويضع الكوب… والمرأة رأسها ينخفض.
وعرفت أنني إن لم أشرب، فإن المرأة هذه سوف تبكي.
ورفعت الكوب… وشربت، وشربت… كان الشربوت قد تخمر وأصبح خمراً.
والمرأة وجهها ينفرج… وعند الباب تضحك لي شاكرة.
ومن كانوا معي يهتاجون:
– كيف تشرب الخمر؟
قلت: أنا أعرف لكل حال ما يناسبها من الإسلام.